انتبه خلفك وأمامك.. دائماً النشال واللص والمرتشي والمختلس.. إخوة المهنة
تفشي الجريمة في ألأماكن المفتوحة دون عيون ودون قانون، أو عندما يستشعر المجرم أن لا أحد سينال منه ويقتص من فعلته، وقد سمحت الأزمة الوطنية الكبرى، لصغار النفوس أن ينهبوا ويسرقوا في كل موقع لهم أو مكان ليد، وهم عندما يستغلون انشغال الدولة والقضاء إنما يمارسون فعلاً أقسى من الجريمة بحد ذاتها، وربما يصل -إن لم نبالغ- لحدود الخيانة.
بيوت آمنة تصبح مجرد أهدافاً للصوص عابرين أو متربصين، والمواطن الذي اعتاد أن يترك بابه مفتوحاً صار يخشى من جاره، ويعود مرات عدة ليتأكد من أنه أغلقه بإحكام، وهذا ما يدلل على الحالة الجسيمة التي وصلنا إليها، في مرحلة من أكثر مراحلنا خطورة بكل أبعادها الوطنية والأخلاقية والوجودية.
تغليظ العقوبة
في تصريح لصحيفة محلية كشف المحامي العام الأول بدمشق أحمد البكري أن (القضاء يحاكم مالياً عدداً لا بأس به من الأشخاص الذين يقومون بمراقبة زبائن البنوك ومن ثم ملاحقتهم بهدف سرقة أموالهم، مؤكداً أن هذه الظاهرة انتشرت بشكل كبير في دمشق).
التصريح ليس لمواطن عادي حتى لا يدلل على الظاهرة الجرمية الجديدة، الجدية بانتشارها، وإن كانت سابقاً مجرد أفعال فردية، ولكنها تصبح اليوم ظاهرة مستفحلة، وهذا ما شكى منه المواطنون وخصوصاً كبار السن من المتقاعدين، الذين يقبضون رواتبهم من الحصالات المنتشرة في العاصمة، وينصحون بعضهم أن انتبهوا من اللصوص والنشالين وهم بالتأكيد غير قادرين على الدفاع عن أنفسهم.
أرملة تدعى (مريم) سرق راتب زوجها المتوفي مرتين، عند صرافات وزارة الاتصالات، حيث يجتمع عدد كبير من المواطنين بانتظار الحافلات الذاهبة إلى الريف، وتقول المرأة الستينية إنها في المرتين لم تشعر كيف ضاع منها الراتب الصغير، الذي لا يتجاوز 13 ألف ليرة تعيش عليها هي وابنتاها العانستين.
يضيف المحامي العام الأول في تصريحه: (نتيجة انتشار مثل هذه الظواهر فإن القانون كيّف هذه الجريمة ليعتبرها جريمة جنائية، بدلاً من أن تكون جزائية، وذلك لفرض عقوبات مشددة بحق من يفعل ذلك، وحرصاً على سلامة المجتمع)...وهذا هو عين الصواب في كون المتضرر هو إنسان بسيط أولاً، وثانياً لفظاعة الفكرة أخلاقياً، وللحد من انتشارها.
أمام عقاري... البرامكة
والبرامكة هي المنطقة الأكثر ازدحاماً، إذ تعتبر نقطة التقاء المحاور والشوارع الرئيسة في العاصمة، وكونها تتوسط المدينة التي لم تعد تتسع من كثرة الوافدين إليها، وفيها تجتمع أصناف متنوعة من البشر لم تكن لتلتقي بهذا الحجم لولا الأزمة الكارثية، وكذلك الباعة وسائقو الحافلات والطلبة وسواهم من هذا الازدحام البشري، وهنا يقع أحد فروع البنك العقاري، حيث يقبض المواطنون تعويضاتهم وسلفهم، ويدفعون أيضاً لصالح تحصيل ثيوتيات كالجوازات المستعملة، وكل ما يتعلق بعمل المؤسسات المرتبطة بعمل المواطن مالياً مباشرة، وهذا ما يوفر جواً متخماً بالمال يبتهج له اللصوص والنشالون.
موظف العقاري يسلم المال لصاحبه، ويحذره من اللصوص والنشالين، ويفعل الشيء نفسه المواطنون المنتظرون للأمر نفسه ، وتتعالى نصائح (دير بالك، ليش ما معك كيس.. الخ)، وفي الوقت نفسه هناك من تمت سرقته.
مواطن استلم تعويض خدمته للدولة عن عشرين عاماً، لم يصل المال إلى بيته، يروي (س.م) حكاية ذلك اليوم (النحس) كما يسميه، بأنه خرج من البنك بعد أن وضع المال في محفظته، وتأكد من إغلاقها بإحكام، ومر بالسوق المزدحم بين جسر الرئيس ووكالة سانا، صعد في السرفيس ليحجز سريعاً مقعده قبل بدء الزحمة اليومية، وجلس في الكرسي فأحس أن محفظته قد نقصت وزناً وحجماً، وأنها مفتوحة قفز من السيارة وهي تمشي وعاد إلى باب البنك ينظر في الأرض، ويقسم بأنه قطع هذه المسافة مرات عديدة دون أن يشعر، وعاد بدون تعويض عشرون عاماً كان يخطط بأن تفتح له أبواب رزق جديد.
اللص بينكم...أو أمامكم؟
هناك لصوص من نوع آخر يعيشون معك، أو تضطر للتعامل معهم، وهم أمامك، تمد لهم معاملتك وأوراقك المنتهية، فيمدون أيديهم أو يفتحوا أدراجهم، وهؤلاء خطرون ولطالما شكلوا إحدى ثغراتنا، لأنهم دائماً جاهزون للتفاوض والقبول.
هؤلاء أيضاً لا يتورعون عن مد أيديهم إلى صناديق عهدتهم، وهي رواتب الموظفين والعاملين، ويروي النائب العام حكاية (سرقة للبنك التجاري الدولي، حيث أقدم أحد موظفي البنك على سرقة مليار ونصف المليار من البنك، ما دفع بالقضاء إلى فرض عقوبات مشددة بحق السارق، ولا سيما أن الأموال جميعها التي سرقت تم تحويلها إلى تركيا، وفتح مشاريع هناك لافتاً إلى أن هناك مطالبات عبر الإنتربول الدولي، لإرجاع هذه الأموال إلى أصحابها)... وهي أموال مودعين و(تحويشة) العمر.
المرتشون هم لصوص من نوع آخر، يسرقون بحجة أنهم يتجاوزون القانون، فيسرقون مرتين، مرة من المواطن، ومرة عندما يقزمون القانون ويستثمرون ثغراته.
السارق واحد
لا فرق بين اللص الذي يسرق مواطناً قبض للتو راتبه أو تعويضه، وبين المختلس والمرتشي، فكلهم من طينة أخلاقية واحدة، ونحن من الدول التي ألحق بها الفساد ضرراً أكبر من السرقة، وهؤلاء تآمروا على وطنهم عندما نشروا فيه الرذيلة وسهلوها وحللوها، وهذا ما دفع بغيرهم إلى أن يبيعوا أغلى ما لديهم من أخلاق، سهلت عليهم مهمة بيع ذواتهم ووطنهم للشيطان.