من الذاكرة: أحداث وخواطر
باستطاعة كل منا استعادة مجريات أحداث مضت بالعودة إلى ما كتب عنها, وما سجل منها صوتاً وصورة وأصبح «وثائق» محفوظة ومصانة.
بيد أن هناك أحداثاً محدودة تظل تسكن الذاكرة, واليوم ونحن نلج بوابة شهر حزيران, تتزاحم على صفحة ذاكرتي «حزمة» من أحداثٍ وقعت خلاله, وأهمها تلك النكسة الفاجعة التي حملت اسمه «نكسة حزيران 1967» وما أحدثته من مصائب وآلام أقضت المضاجع وهزت النفوس, وأرخت بظلالها الحالكة على العيون, تلك النكسة التي أريد لها أن تطفئ شعلة الأمل, وأن تنشر روح الهزيمة والاستسلام, وأن تحبط الهمم والعزائم..
لكن إرادة الحياة وعزيمة النضال والصمود كانت أقوى وأعظم من العدوان وأطماع المعتدين وقد ألقيت في ذلك الحين قصيدة بعنوان «زعم الغزاة» قلت فيها:
«فادفن -أخي- في صدرهم أطماعهم واقحَم ولا ترهب سواد النكسة»
ومن ذكريات حزيران الماثلة في الذاكرة ذكرى استشهاد القائد الشيوعي فرج الله الحلو «أبو فياض» في السادس والعشرين منه عام 1959 على يد زبانية المباحث -وكنت حينها معتقلاً في سجن المزة العسكري- وما أعقب ذلك من همجية في تقطيع جسده إلى أشلاء ليتم تذويبها بمادة الأسيد لإخفاء الجريمة البشعة..
ومن الذكريات أيضاً زيارة قمت بها إلى مدينة أبي الفداء في حماة في حزيران عام 1960 والتقيت الصديق المصور مصباح السراج, ومع غروب الشمس سرنا معاً على ضفة نهر العاصي لنصل إلى موقع النواعير, لنمتع عيوننا بمشاهدة أول إنارة كهربائية للنواعير, وكذلك لست أنسى يوم تابعنا بكل الفرح والإعجاب, يوم الرابع عشر من حزيران عام 1963 تحليق أول رائدة فضاء, وهي السوفياتية فالنتينا تيرشكوفا التي استقطبت اهتمام العالم بانجازها الباهر.. وأذكر يوم كنا في استقبالها حين زارت سورية والاحتفال الرائع بقدومها إلى مدينة دمشق - وكأني أراها الآن بأم عيني- كما أذكر أنني في صبيحة ذلك اليوم حين كنت أنا وزوجتي نتهيأ للذهاب مع عشرات الرفاق والرفيقات للمشاركة بالترحيب بوصول رائدة الفضاء تقدمت مني والدتي وقالت بحرارة وصدق: «أمانة.. أمانة سلملي عليها» فأجبتها: «لعيونك يا أمي الغالية إذا استطعت أن أتحدث معها, سأبلغها سلامك وسلام كل العيلة».