الحسكة.. النوايا الحسنة لن توقف الهجرة
تعاني محافظة الحسكة من موجة هجرة مرعبة للسكان نحو الخارج، بوتيرة متزايدة بدأت مع الأيام الأولى للأزمة السورية وحتى الآن، وباتت تقلق حتى من قرر البقاء في مدينته أو قريته، لتنذر بتغييرات كبيرة في الواقع الديمغرافي للمحافظة متعددة القوميات والأديان، مالم توضع حلول فعلية تطمئن السكان على مستقبلهم.
ورغم أن الهجرة خارج البلاد، ظاهرة تشمل أغلب محافظات البلاد التي تعاني من واقع أمني واقتصادي رهيب، إلا أنها تكتسب في الحسكة أهمية خاصة، إذ ساهمت عدة معطيات في تعزيز هذا التوجه لدى السكان، رغم الاستقرار الأمني الذي تعيشه المحافظة مقارنة بباقي المحافظات السورية الساخنة.
وطوال أربع سنوات من عمر الأزمة السورية، ظلت مدن وبلدات المحافظة الرئيسية، لاسيما مدينتي الحسكة والقامشلي، تحت سيطرة الدولة والقوات الشعبية الموالية لها، واقتصرت العمليات العسكرية، وموجة النزوح، على بعض مناطق الريف الجنوبي والجنوبي الغربي، لكن ذلك لم يمنع من تداعيات اقتصادية وأمنية كبيرة ساهم التقصير الحكومي في الجزء الأغلب منها.
ترانسفير طوعي
لا توجد إحصائيات دقيقة لعدد المهاجرين من سكان المحافظة نحو دول الخارج، لاسيما الدول الأوروبية، أو دول الخليج، وحتى تركيا، وهي هجرة طوعية تختلف عن النزوح الذي يعيشه ملايين السوريين، كما ساهم النازحون من المحافظات والمناطق الساخنة نحو الحسكة، بالإيحاء بأن عدد سكان المحافظة بازدياد.
لكن البيوت الخالية من سكانها، وأحاديث الناس، والازدحام في مطار القامشلي على الرحلات المتجهة نحو بيروت وعمان، والحملات الشعبية على مواقع التواصل الاجتماعي لوقف الهجرة والبقاء في الوطن، تنقل جزءاً يسيراً من حقيقة الهجرة التي ستفاجئ الجميع عند كشف عدد العائلات المهاجرة.
دعوات متأخرة
دعا عدة مسؤولين حكوميين ودينيين في المحافظة، الأسبوع الماضي، السكان لوقف الهجرة الطوعية لمن أطلقها لن تلقى آذاناً صاغية مالم توضع حلول لمشاكل السكان.
ويقول عدد من الأشخاص الذين ينتظرون موافقة السفارات الأجنبية على طلباتهم للسفر خارج البلاد، إن إلغاء فكرة الهجرة تتطلب القضاء على أسبابها ودوافعها، ولن تساهم النوايا الحسنة في مواجهة تلك الظاهرة ما لم يجد السكان واقعاً أمنياً واقتصادياً مطمئناً للبقاء في الحسكة.
وأضافوا خلال حديثهم لقاسيون، إن من بين أهم أسباب الهجرة الحالية، غياب دور مؤسسات الدولة الفعلي، وعدم حلها للأزمات الناشئة رغم وجود بدائل ممكنة، والعمل بطريقة الروتين القديمة التي فاقمت من أزمات المحافظة.
وتعيش محافظة الحسكة واقعاً اقتصادياً بائساً، حيث تشهد الأسواق موجة غلاء رهيبة، يقودها التجار، متذرعين بالأزمة السورية وارتفاع سعر صرف الدولار، مقابل إجراءات حكومية ضعيفة لا تغير من واقع الحال، كما أن الحالة الأمنية التي تبدو مستقرة، لا توحي بالأمان، لاسيما مع استمرار الاشتباكات العنيفة والمتكررة بين قوى تتمظهر أنها مكونة على أساس ديني وقومي.
ومع الأنباء الواردة ممن وصلوا إلى دول الاغتراب، ودعواتهم للبقاء في الوطن، تبين أن الصورة في دول الاغتراب ليست كما يظنها الراغبين بالهجرة، ويبقى انفتاح الطريق أمام الحل السياسي وإيجاد حلول إسعافية لمشاكل المحافظة، هي الفيصل في تغيير قناعات المواطن الحالية.