اليرقان يضرب أطفالنا وكعادتها... الحكومة تطالبنا بالوقاية وعدم المصافحة والتقبيل

اليرقان يضرب أطفالنا وكعادتها... الحكومة تطالبنا بالوقاية وعدم المصافحة والتقبيل

في عام 2007 وعلى صفحات (قاسيون) تم تسليط الضوء على جائحة التهاب كبد وبائي (أ) في مدينة قطنا وصل فيها عدد الحالات إلى أكثر من 1000 إصابة، وتم النشر بوثائق من مراكز تحليل ومخابر، ولقاءات مع المواطنين، وبعض أعضاء مجلس المدينة الذين بينوا أن سبب الجائحة يعود إلى اختلاط مياه الشرب بمياه الصرف الصحي نتيجة أخطاء متعهد مشروع الصرف الصحي الذي منح هذا المشروع بالتواطؤ مع رئيس المجلس.

لم يكن مفاجئاً حينها أن يحاول البعض التستر على الإصابات والتخفيف من خطورة الوباء، ولكن المفاجأة أتت من مدير صحة الريف آنذاك الذي قال: إن عدد الإصابات لا يتجاوز 7 إصابات... في تلك الفترة لم تكن البلد في حالة حرب، ولم يكن للجوائح أن تفتك بالمواطنين نتيجة حالة السكينة والأمان، والوضع الصحي الممتاز في سورية، ومع ذلك الفاسدون لا يفوتون الفرصة لتبرئة أنفسهم مما اقترفت أيديهم.
اليوم... يتم الحديث عن 800 إصابة بالتهاب الكبد الوبائي (أ) في العاصمة دمشق، ترى ما هي حال الريف، وكيف ستتعامل الحكومة مع هذه الأوبئة الخطيرة؟.
طمأنة حكومية... تشبه الوعد
في اجتماع مجلس محافظة دمشق طمأن مدير صحة دمشق المواطنين في أن الشفاء من المرض يتحقق دون الحاجة إلى لقاحات أو أدوية إلا لحالات معينة عند الأطفال ذوي المناعة الضعيفة، علماً أن عدد المصابين في دمشق هو ضمن الحدود الطبيعية بالنسبة لعدد السكان والقاطنين حالياً.
مدير الصحة قال: إن وزارته قامت بكامل الإجراءات اللازمة بخصوص شراء الكميات المطلوبة من الأدوية، إلا أن الإشكال حالياً يتعلق بمؤسسة التجارة الخارجية (فارمكس)....وهناك (وعود) بالشراء بشكل ربعي.
إذاً المشكلة يراها مدير الصحة ضمن الحدود الطبيعية وهذا يشبه ما رآه مدير صحة ريف دمشق عام 2007 عندما قلل من شأن الوباء، وهنا كي لا نخلط الأمور تبدو هي الخطوات نفسها التي لا تحيد عنها مؤسساتنا في معالجة قضايا الناس، وبالتالي فالظرف الحالي للبلاد يسمح بمزيد من التسويف بسبب الحصار الخانق، وهذا ما يؤشر إليه حديث السيد مدير صحة دمشق عن عقود شراء للأدوية عبر (فارمكس) وبوعود؟.
تهوين... آخر للمشكلة
مدير صحة العاصمة أكد في اجتماع المحافظة أن التهاب الكبد الوبائي (أ) هو مرض فيروسي عرضي ليس له معالجة نوعية، وأن له لقاحات تقدم للأطفال الذين ليس لديهم مناعة ولا يوجد ضرورة لتلقيح جميع الأطفال، وأن الوقاية والتوعية الصحية هما الأفضل لمكافحة المرض.
فقط عليكم أيها الأخوة المواطنون أن تتحلوا بالوعي والوقاية لدرء الجائحة، وأن المستهدفين باللقاحات (إن وجدت) سيكونون أولئك الأطفال الذين لا مناعة لديهم، وبقية الأطفال لن يصيبهم أي مكروه؟.
مدير الصحة أيضاً يتحدث عن توافر اللقاح في بعض المراكز وليس عند الصيادلة وأسعاره تصل إلى 3000 ليرة سورية، وهذا واضح من أن المقصود بالمراكز هي الخاصة وليست الحكومية، وأن سعره فقط 3000 ليرة سورية، وهذا أيضاً واضح في أن من يملك 3000 ليرة يمكنه أن يحمي طفله، ومن لا يملكها له...الله.
مدير الصحة لم ينس وفي زحمة الوباء أن يوجه نصيحته للمواطنين إلى عدم الانجرار الإعلامي خلف الإشاعات وأن المرض لا يتطور ويقف عند حالة معينة ثم يتم الشفاء .
المدارس والمطاعم... بؤرتان خطيرتان
تقارير ومواد صحفية نشرت في هذه الآونة تناولت الجائحة التي تنتشر بسرعة في العاصمة وريفها، وحذرت عبر لقاءات مع اختصاصيين من أن البؤرتين اللتان تنشران المرض هما المدارس والمطاعم.
المدارس التي تنتفي فيها أغلب شروط النظافة الحقيقية، وبعض مدارس الريف تستخدم الطلاب الأطفال لشطف الحمامات والتنظيف، وبعضها ليس في خزاناتها مياه صالحة للشرب أو الغسيل، وهذا جعل الأهالي يرسلون مع ابنائهم زجاجات ماء خاصة بهم، ولكن هذا لا يمنع قيام الأطفال بالشرب من زجاجة واحدة؟.
المطاعم البؤرة الأخرى والتي يمكن أن ينتقل المرض منها عن طريق استخدام (الأراكيل)، والتي تنتشر بين جيل الشباب بشكل كبير خصوصاً الفتيات، وكذلك النظافة غير الجيدة والطعام غير النظيف الذي يمكن أن تقدمه هذه المطاعم دون وجود رقابة صحية حقيقية.
أيضاً على العشاق والذين يختارون الحدائق مكاناً آمناً لمواعيدهم تجنب القبلات التي تنقل الفيروس بواسطة اللعاب، وهذه نصائح طبية لا يمكن الاستهانة بها في ظل الطلب الرسمي بالوقاية قبل العلاج؟.
الواقع... يحكم
لأن المبررات الحكومية عادة ما تسبق الفعل، وتبرر التقصير بأن على المواطن أن يكون طبيب نفسه كما يقول المثل الشعبي، وهذا يعني أن ينتبه الأهالي إلى أن المرض ليس عارضاً ولكنه خطير، ويمكن أن يؤدي إلى وفيات (تصريح طبي)، ولا ينقص المواطن الغارق في الفقر - ووصل إلى حده كما صرح معاون وزير التجارة الداخلية في آخر تصريحاته- أن يغرق في المرض.
الواقع يعني أن ننظر إلى العجز الحكومي على أنه أمر واقع، ويجب علينا أن نتصرف بوعي وحكمة، وأن لا نتعلق بوعد حكومي بشراء اللقاح لأن هذا قد يأخذ وقتاً أطول من انتظار المازوت بعد أن رحل الشتاء.
التهاب الكبد مرض يمثل عبئاً اقتصادياً مرعباً ولا بد في البداية من إجراء مسوح عشوائية لتحديد مدى انتشار المرض ويجب أيضاً التركيز على مسألة الوقاية وفرض رقابة صارمة على الحلاقين وأطباء الأسنان وحظر دكاكين المتاجرة بالحجامة.