الذكرى الـ33 للإضراب الكبير في الجولان المحتل.. تأكيد للهوية السورية!
قبل ثلاث وثلاثين عاماً، دخل السوريون في الجولان المحتل إضراباً عاماً وشاملاً دام ستة أشهر رفضاً لقرارات سلطات العدو الصهيوني بـ «ضم» الجولان إلى كيانه الغاصب، ورفضاً في الوقت ذاته للحصول على «الهوية الصهيونية» التي حاول الاحتلال فرضها على أصحاب الأرض.
لم يكن منطق «الإضراب الكبير» الذي خاضه أبناء الجولان السوري المحتل في 14 شباط عام 1982 خارجاً عن المألوف في ثوابت الشعب السوري. كان في أحد مدرجاته وتفسيراته تعبيرٌ عن المقاومة والرفض الشعبي لأية محاولة للمساومة والتنازل عن ارتباط الجولان بوطنه الأم.
ففي 14 كانون الأول عام 1981 قرر الكنيست الصهيوني فيما يسمى بـ«قانون الجولان»: (فرض القانون والقضاء والإدارة الصهيونية على هضبة الجولان)، وتشير الخارطة الملحقة بهذا القرار إلى المنطقة الواقعة بين الحدود الدولية من 1923 وخط الهدنة من 1974 كالمنطقة الخاضعة له.
لم يعترف المجتمع الدولي بالقرار ورفضه مجلس الأمن التابع للأم المتحدة في قرار برقم 497 في 17 كانون الأول 1981. وتشير وثائق الأمم المتحدة إلى منطقة الجولان باسم (الجولان السوري المحتل). وقد أكد مجلس الأمن في قراره أن الاستيلاء على الأراضي بالقوة غير مقبول بموجب ميثاق الأمم المتحدة واعتبر قرار الكيان ملغياً وباطلاً ومن دون فعالية قانونية على الصعيد الدولي؛ وطالبها باعتبارها قوة محتلة، أن تلغي قرارها فوراً. مع ذلك لم يفرض مجلس الأمن العقوبات على الكيان بسبب قرار الضم غير القانوني. من الناحية العملية أدى (قانون الجولان) إلى إلغاء الحكم العسكري في الجولان ونقل صلاحيته لـ«السلطات المدنية» العادية وهو لم يغير شيئاً من الحكم العسكري للمنطقة إلا لناحية فرض الهوية الصهيونية على أبناء الجولان الذين رفضوها بإضرابهم الكبير..
تقسيم وإغراق بالمستوطنين
بعد عدوان حزيران 1967 استولى الكيان الصهيوني على 80% من مساحة الجولان، وجرى وضع عدة خطط استيطانية فيه. لكن الواقع الاستيطاني ظل قاصراً عن بلوغ تلك الخطط لاعتبارات عديدة من بينها خوف العديد من المستوطنين في البقاء بمناطق حدودية قد تتحول إلى جبهات حرب في أي وقت.
كان قسم الاستيطان في «الوكالة اليهودية»، قد أعد مخططاً استيطانياً للجولان في عام 1969، يقوم على زرع 50 ألف صهيوني، وإقامة «مدينة» في الجولان تستوعب 30 ألف مستوطن، تتحول إلى «مركز سياحي وصناعي وبلدي في المستقبل»، بينما يجري توطين 20 ألف مستوطن في مستوطنات ريفية، وقد خطط لمعظم هذه المستوطنات وفق هذا المشروع في القطاع الجنوبي للجولان طمعاً باستغلال السهول الصالحة للزراعة.
لجأت سلطات الاحتلال إلى تقسيم الجولان إلى ثلاثة أجزاء: جنوبي ومساحته 57 ألف دونم، وشمالي مساحته 13 ألف دونم، وأوسط مساحته 400 ألف دونـم. وهناك ثلاثة تجمعات لمستعمرات كبيرة رئيسية تتبع إليها بقية المستعمرات في الجولان وهي:
• مستعمرة «كتسرين»: وهي نقطة تجمع لكل المستعمرات الواقعة في شمال الجولان المحتل.
• مستعمرة «خسفين»: مسؤولة عن إدارة المستعمرات الدينية الواقعة جنوب ووسط الجولان المحتل.
• مستعمرة «بني يهوذا»: مخصصة لخدمة المستعمرات الجنوبية.
تاريخ الاستيطان الأسود
منذ العام 1967، قامت حكومة العدو ببناء ثلاث عشرة مستوطنة. وفي عام 1970 لم تقم سوى مستوطنة واحدة هي «ناحل جولان»، لكن وتيرة الاستيطان أخذت تشتد في الأعوام التالية، حيث أقيمت أربع مستوطنات عام 1971، ومستوطنتان في عام 1972 وضعت نواة إحداها في العام السابق، وثلاثة مستوطنات أخرى عام 1973. تلا ذلك في العام 1974 إقامة مستوطنتين، ومثلهما في عام 1975، وفي العام 1976 أقيمت ثلاث مستوطنات. ومستوطنة واحدة عام 1978، وبلغ عدد المستوطنات التي أقيمت في السبعينات نحو سبع عشرة مستوطنة.
في الثمانينات، استأنفت حكومة «الليكود» أعمال الاستيطان في الجولان، فأقامت في عام 1980 مستوطنتين، وفي عام 1981 أربع مستوطنات هي: «ميتسر» و«كدمات تسفي» و«كيلع» و«آلوني هيشان». وفي عام 1982 أقامت مستوطنة «تمرود» في الشمال، ومستوطنة واحدة في الجنوب عام 1984. وبذلك وصل عدد المستوطنات التي أقيمت خلال عقد الثمانينيات إلى تسع مستوطنات. وقد توقف الاستيطان في الجولان بعد عام 1984، وحتى عام 1991.
أما في التسعينيات، فقد واصلت حكومات العدو المتعاقبة العمل بسياسة «الضم» والاستيطان في الجولان. فشرعت حكومة «الليكود»، برئاسة إسحق شامير، تطبيق خطة وزير الإسكان، آرييل شارون، التي أعلن عنها في عام 1990، وهدفت إلى «توطين 22 ألف يهودي في الجولان حتى عام 1992».
وأعلنت الإذاعة الصهيونية في حزيران 1991، أن 3200 وحدة سكنية جديدة يجري بناؤها في الجولان، مما يمكن من مضاعفة عدد المستوطنين البالغ 12 ألف مستوطن. وفي تقدير الصهاينة فإن الهجرة الاستيطانية التي تنظمها الحكومة الصهيونية في الجولان تعني أن الكيان الصهيوني ليس بصدد إعادة الجولان إلى سورية. وقد عمدت وزارة الإسكان التي يرأسها «شارون» إلى رفع الحجر عن اعتمادات مخصصة لبناء ثلاثة طرق ومطار محلي في جنوبي الجولان.
في أيار 1993 ذكرت صحيفة «معاريف» الصهيونية أن «لجنة مستوطنات الجولان» قررت إقامة مستوطنتين جديدتين في الجولان، وقال أوري هنتر، الناطق بلسان اللجنة: «إن المستوطنات ستتواصل في الهضبة، لأن الجولان حيوي لأمن وسلامة "إسرائيل" حتى في وقت السلم».
العدو يستنزف ثرواتنا
وفق إحصاء «دائرة الاستيطان» الصهيونية، المنشور في 22/12/1994، ارتفع عدد مستوطني الجولان من اليهود، خلال عام 1994 بنسبة 10%. وبذلك وصل عدد المستوطنين إلى 16500 مستوطن بنهاية عام 1994. وتم في أوساط المستوطنين في الجولان، تشكيل حركة جديدة تحمل اسم «الهضبة الإسرائيلية» تنشط بين مستوطني الجولان، بهدف تقرير الاستيطان.
كما أقام الكيان الصهيوني في التسعينيات منتجعات سياحية على الشاطئ الشرقي لبحيرة طبرية بين قرية الحاصل العربية ومستوطنة «داموت». وأقاموا كذلك مركزاً سياحياً قرب تل الباروك، وتبدو هذه المنتجعات كمراكز استيطانية مؤقتة لبعض المستوطنين العاملين فيها. في الواقع يستنزف العدو الصهيوني الثروات السورية الموجودة في الجولان السوري المحتل بشكلٍ كارثي على المنطقة الاستراتيجية بما تحتويه من مياه وأراض وزراعة وثروات باطنية بالغة الأهمية.
الهدوء الحذر..
ظلت الحدود السورية- الفلسطينية هادئة لعدة عقود، رغم الحروب الثلاثة التي خيضت على أراضي الجولان، حرب الخامس من حزيران 1967، وحرب تشرين التحريرية 1973، وحرب الاستنزاف التي خيضت لاحقاً واستعادت أجزاء من الأرض،ومن ثم خاضت الحكومة السورية والجانب الصهيوني مفاوضات عرفت بـ«محادثات السلام» في تسعينيات القرن الماضي، من دون أن يجري الاتفاق على أية بنود محددة بينهما.
مع بداية الأحداث في سورية، توقع مراقبون إعادة فتح جبهة الجولان من جديد، وطالبت عدة أحزاب في المعارضة الوطنية بذلك، لكن هذا الأمر لم يحدث. واستمرت الاعتداءات الصهيونية على الأراضي السورية أكثر من مرة.
اليوم، وبعد 48 عاماً من احتلال الجولان، وما رافق تلك السنوات من متغيرات سواء على الصعيد الدولي أو الداخلي، فإن حقيقتين جليتين ترسختا بشكلٍ ثابت، أولهما: أن مسألة استعادة الجولان ضمن الظروف الدولية التي صار معها الكيان الصهيوني يمنى بهزائم عسكرية متلاحقة شمالاً وجنوباً باتت مسألةً محسومة. وثانيهما: أن أي انخراطٍ في ركبِ «قطار السلام العربي الصهيوني» هو ليس إلا «طبخة بحص» أثبتت العديد من التجارب فشلها.