مطبات: الحب مهزوماً.. بالأحمر
لم أرغب بالكتابة عن عيد الحب، ولا أحب مناسبات اليوم الواحد خصوصاً في شأن القلب، ولا أرغب هنا في الحديث عن أسعار الورد الأحمر، والألعاب الحمراء التي سيحملها العشاق إلى حبيباتهم في هذه المناسبة، ولكنني ككل سوري يحصي عدد أحبائه الذين غادروا وماتوا وهربوا سيقف مدهوشاً من هول الوحدة التي تأكل قلبه، وتتركه وحيداً في غابة الدم.
(الحب في أن لا تعرف شيئاً)... هكذا يعرّف مظفر النواب الحب، ويضعه في خانة النفس العليا، ويترك لك الخيارات مفتوحة على الإيحاء، ويغني لك قصيدته التي لا تليق إلا بك، وهذا لا يأتي فقط عبر التعابير الجامدة التي رسخها الشعراء والكتاب وروايات العشاق عن حبهم، ولكنها النفس البشرية المفتوحة دون ضوابط سوى هذا الطغيان الميتافيزيقي.
أربع سنوات مرت على قلوبنا، أسقطت كل مفاهيمه حتى الوضيعة منه، ورسخت مفاهيم الجنس والجسد المصدوم بواقع لن يترك له الوقت للصراخ الحر، ولكنه يأخذه إلى الخذلان... أجساد متناثرة تلوك اللذة في الحدائق، وتهويمات ملوثة بالأنخاب الطارئة العابرة، وهرولة لمجرد فقط أن يشعر العشاق بنبض غريب.
من سرق زمن الحب، وأبدله بهذا السباق العجيب للجسد، هل تأكل الحرب الحب، أم أنها غريزة البشر في ادعاء الحياة رغم كل هذا الكم المفجع من الأشلاء.
(ذهب الذين تحبهم ذهبوا) هكذا يقلّب محمود درويش مواجعه، ومواجعنا، نحن في وحدتنا الأزلية، والمقهى الذي يذكر زبائن كانوا لم يعد يهتم بالداخلين، والشارع الذي انغمست ثرثرات العشاق في بلاطه لم يعد يكترث بالزحام، والحديقة التي همس بها عاشق في أذن فتاته كلمة عشق تركت أشجارها للريح الصفراء، وباتت تنشد أيام الحب السريع.
في ليلة الحب... ومنذ أن دخل الرصاص القلوب والأصابع، ومنذ ولادة أول قبلة تحت النار لم يعد يسكن بيننا سوى لون الدم المملّح بالكراهية، وها هنا الليلة نمارس الحب بالتذكر، ونتلمس أيادٍ ناعمة مرت على أكفنا العارية، وشفاهٍ صرخت بنا أن توقفوا عن موتكم المجاني، وتلويحات لغرقى ماتوا هرباً من بيوت وشوارع أحبوها.
في هذه الليلة بالذات... المدينة التي تضم رفات أكثر عشاق الأرض تئن تحت وابل الذعر والخوف... أيتها المدينة الـ (دمشق) لك منا الحب الذي لم تشوهه الرصاصات الخائبة... وحدك تستحقين هذا الورد الملطخ بالأحمر.