مطبات: نحن وأشجارنا... المبادة
أطفال يتسلقون أشجار الحديقة العامة، ويرمون أغصانها اللينة في كيس كبير منتقلين من شجرة إلى أخرى، وآخرون يلمون الأغصان اليابسة من الأرض ويجمعونها في كيس آخر، وهكذا لأكثر من نصف ساعة من العمل الدؤوب...بفظاظتي سألت أحدم لماذا تجمعون الأغصان في كيسين، ولا تضعونها في كيس واحد، استدعى سؤالي وشوشتهم ثم ضحك الكبير وقال لي: اليوم نستخدم الأغصان الناشفة للتدفئة، وأما الكيس الآخر فهو للغد.
هذا ما يحصل اليوم في الحدائق العامة وفي شوارعها حيث يضطر الناس لملمة الأغصان الساقطة، ويقطعون ما تصل إليهم أيديهم من أغصان قريبة من أجل أن يصمدوا أمام هذا الشتاء القاسي، وبعض المواطنين أخبرني أن عمال البلديات بحجة تقليم الأشجار يمارسون عملية إبادة ناعمة لأشجار الأرصفة، والحدائق العامة أمام أعين المواطنين ولا أحد يلتفت إلى هذه الجريمة الناعمة من أجل بيعها أو حتى استخدامها في التدفئة.
أخطر ما يجري، وفي مناطق كثيرة وبعد ارتفاع سعر طن الخشب إلى 60000 ليرة هو قيام أصحاب المزارع والبساتين بقطع الأشجار بغاية التجارة، ودفع عمولات لتمريرها أو إخفائها عن عيون (الرقابة)؟، وهذه الأخيرة يمكن التحايل عليها وشراء ذمتها.
وزير الزراعة تحت قبة البرلمان أكد أن وزارته (اتخذت جملة من الإجراءات لوقف التعدي على الأشجار وذلك لمنع تصدير الأخشاب الخام، وبيع الأسر المقيمة بجوار الغابات طنين من الخشب بأسعار تشجيعية، وتشغيل ذويهم بهذه المواقع إضافة إلى التعاون مع وزارتي الدفاع والداخلية لمصادرة الأخشاب التي يتم نقلها بدون رخص)...وهذا الكلام جميل وهام، ولكن ألم يكن من الممكن تجاوز كل هذه المشكلة...وببساطة لو تم تأمين البديل الحقيقي للتدفئة، وتحديد سعر مقبول للمواطن الذي يضطر لهذه الاعتداءات، ومنعاً لأصحاب الضمير الميت من التلاعب بحاجة الناس واستغلال أزماتهم.
ألا يدري السيد الوزير... أن الناس في بعض أريافنا المسكينة تحرق في مدافئها الأحذية والألبسة و أطباق الكرتون كي لا ينام أبناءهم دون دفء.
قدرنا في الأيام العصيبة التي نمر بها أن نفاضل بين أعزاء، إما أشجارنا التي تتعرض لإبادة حقيقية أو إنساننا الذي ترتعد مفاصله من الخوف والجوع والبرد.