من الذاكرة: تبدل الأحوال

مما لست أنساه وهو كثير، ما تعلمته من الندوات التثقيفية والمدارس الحزبية، والكونفراسات والاجتماعات المكرسة لشرح الأوضاع السياسية، أن كل قضية تطرح على بساط البحث، تناقش بصورة رفاقية، وقد تصدر آراء، وكثيراً ما صدرت، آراء مناقضة لرأي المسؤولين في الهيئات، والتي وجب ويجب أن تناقش بشكل ديمقراطي للوصول إلى قرار جماعي، وهذا يعني أن احترام آراء الرفاق يهيئ ويساعد في تطوير العمل والأداء، بل وخلق كادر واثق من نفسه وقادر على مجابهة الصعوبات، وعلى تنفيذ المهمات بنجاح أكبر.

وقد بقي ماثلاً في الخاطر، أن مفهوم العمل الجماعي كي ينجح يفترض احترام المسؤولين لآراء الرفاق في الهيئات التي يعملون فيها ، من الفرقة وحتى القيادة، فالنظام الحزبي بأكمله تكوّن كمحصلة لنقاش وتداول شارك فيه الرفاق، ولاسيما في المؤتمرات، وهذا النظام يتطور بتطور الوقائع والظروف المستجدة، فهو يواكب تطور الواقع الموضوعي، وما تتطلبه الحياة التي لا تعرف الثبات والتوقف، وقد بيّن الفكر الإنساني الذي رصد المجتمعات الإنسانية أن الحياة بتطورها تتطلب تبدل الأحوال، وكما قال ابن خلدون: «وكأني بالمشرق قد نزل به مثل ما نزل بالمغرب، لكن على نسبته ومقدار عمرانه، وإذا تبدلت الأحوال جملة، فكأنما تبدل الخلق من أصله، وتحول العالم بأسره، وكأنه خلق جديد ونشأة مستأنفة وعالم محدث، فاحتاج لهذا العهد من يدوّن أحوال الخليقة والآفاق وأجيالها، والعوائد والنحل التي تبدلت لأهلها».
وهكذا على كرّ القرون والأعوام.
وما دامت الأعوام تمر، فلابد للذاكرة أن تحتفظ بقسطها في استعادة ذكريات مرت، ومع اقتراب أفول العام، أعادتني ذاكرتي إلى حدث وقع في 25 كانون الأول عام 2004 يوم ودّعنا رفيقاً عزيزاً من أسرة صحيفتنا قاسيون. هو عادل الملا محرر الشؤون العربية والدولية. وفي يوم تأبينه قلت:
«برحيلك أيها الأخ والصديق والرفيق تنطفئ شمعة متألقة أنارت درب الحياة أمام عيون الطلاب الذين درستهم، وقد كنتَ موضع احترام كل من عرفك. وإن ما بذلته من جهد وعطاء في مجال الصحافة والنشر في صحفية «نضال الشعب« ومجلة «دراسات اشتراكية – الطليعة» وجريدة «قاسيون» باسمك الصريح أو باسمك الرمزي «وحيد الشامي» سيبقى في ذاكرة الأصدقاء والرفاق في كل مكان.
لقد تقاسمنا العمل الحزبي ولقمة العيش والدراسة الجامعية في كلية الآداب بجامعة دمشق على مقعد واحد.. والآن نودعك وفي العين دمعة تقول: مباركة – ولن تنسى- تلك الوجوه الطبية التي أحبت وعملت لخير الناس، فأحبها الناس.