من الذاكرة: بعض مما قالوه!
سعيت وبصحبة عدد من الرفاق الشباب، وبمناسبة اقتراب الذكرى التسعين لتأسيس الحزب الشيوعي السوري في الثامن والعشرين من شهر تشرين الأول عام 1924 إلى زيارة بعض الرفاق القدامى، لتهنئتهم بحلول الذكرى الغالية، ولنستمع منهم إلى ما يودون الحديث عنه، فكانت أحاديثهم تنبض بالاحترام والتقدير لكل من ساهم بقسطه في نضال الحزب منذ نشوئه عشية الثورة السورية الكبرى،
وبداية انطلاقته التاريخية في صفوف الشعب المنتفض على الاحتلال، والساعي بكل تصميم وعزم إلى تحقيق الاستقلال الوطني، وقد حققه بتضحياته الجسام ودماء شهدائه العظام، ذلك الاستقلال الذي عده حزبنا مفتاحاً للتطورات اللاحقة، فناضل بلا هوادة مع كل القوى الوطنية والديمقراطية ضد محاولات تصفية الاستقلال عن طريق المشاريع والأحلاف العسكرية والارتباطات المشبوهة ك«النقطة الرابعة» و«حلف المتوسط» و«حلف بغداد» و«الدفاع المشترك» و«مشروع سورية الكبرى» و«الهلال الخصيب».
لقد تناولت أحاديث الرفاق بالإضافة إلى الأحداث التاريخية الوضع الراهن والأزمة التي يعانيها أبناء شعبنا ووطننا، كما أوضحوا تصوراتهم لآفاق التطورات العاصفة التي تمر بها بلادنا والمنطقة والعالم.
وهذه مقتطفات مما تحدثوا به، فالرفيق ميشيل قال: «إن أسوء المساوئ وأشر الشرور أن تمتهن كرامة الإنسان، وأن يسترخص فيقهر ويستبعد ويصبح مجرد رقم سرعان ما يتلاشى، مع أنه أغلى كنز في هذا الوجود، واستشهد بقول الرفيق ستالين: الإنسان أثمن رأسمال». أما الرفيق محمود أبو راشد الذي تجاوز التسعين من عمره فقال: «إن أكثر ما يسمعه ويراه الناس اليوم يصدمهم في الصميم، ويدفعهم إلى التساؤل: من أوصل البلاد إلى هذا الوضع الصعب، ومن المستفيد من استمرار المعاناة المؤلمة ونزيف الدماء والخراب؟».
بينما عبر الرفيق عبد الغني عن تردي الأوضاع المعيشية للغالبية العظمى من أبناء الشعب الذين بلا عمل وبلا دخل، إلى جانب أصحاب الدخل «المعدوم» الذين قال بلسانهم: «دفعت للماء والكهرباء... ودفعت فواتير الدواء... وثمن قليل من المازوت بعد الغلاء، فمن أين آتي بالغذاء؟ والجيب أصبحت فارغة والراتب طار في الهواء!!».
وقد كان القاسم المشترك لأحاديث الرفاق: أن الأزمة الراهنة وكما أوضح مشروع برنامج حزب الإرادة الشعبية، قد وضعت الهوية الوطنية السورية على مفترق طرق إجباري: إما العودة إلى ما قبل الدولة الوطنية أو تعميق الانتماء الوطني وتفعيله على حساب جميع الانتماءات الثانوية، الأمر الذي يتطلب موقفاً اقتصادياً-اجتماعياً وديمقراطياً متحيزاً بشكل كامل للطبقات المفقرة والمضطهدة، موقفاً يحول الدولة السورية من دولة راعية لمصالح «رجال الأعمال» كما كان حالها في العقد الأول من هذا القرن، إلى دولة للمنتجين الحقيقيين، دولة مواطنين لا رعايا، وتحية من القلب للذكرى التسعين لولادة الحزب الشيوعي السوري.