البوكمال.. الزراعة في مهب الريح الصفراء..!؟
مساحاتٌ شاسعة من الأراضي الزراعية المروية والبعلية في المنطقة الشرقية عموماً ومحافظة دير الزور خصوصاً، تحولت إلى أراضي بور نتيجة الأزمة، وأصبحت تعصف فيها رياح التصحر، بعد أن خرجت من الزراعة، بينما كانت تنتج مختلف المحاصيل وخاصةً القمح والقطن قبل الأزمة.. وهذا لم ينعكس على أبناء المنطقة من فلاحين ومواطنين فقط.. وإنما انعكس على الإنتاج والاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي، والاقتصاد الوطني ككل .
المدن والبلدات والقرى في محافظة دير الزور، غالبيتها تقع على ضفتي الفرات، وتعتمد على الزراعة تاريخياً منذ آلاف السنين، بالري من مياهه، ونشأت حضارات عديدة فيها، وفي العقود الأخيرة كانت تساهم في رفد الاقتصاد الوطني بمحاصيلها الإستراتيجية، كالقطن والقمح بالإضافة للثروة النفطية وغيرها من الثروات، وقد أدت السياسات الليبرالية التي طبقت في السنوات الأخيرة إلى تراجع الزراعة بشقيها النباتي والحيواني بنسبٍ كبيرة، ناهيك عن التهميش المتعمد للمنطقة الشرقية والنهب والفساد العلني،مما أدى إلى خسارة مليارات الليرات وهجرة المواطنين لأراضيهم..لذا كانت من أوائل المناطق التي انفجر فيها الحراك الشعبي، وتحولت الأمور فيها إلى أزمة حادة، تفاقم فيها العنف بشدة.
الأزمة تعصف بالبوكمال
البوكمال إضافة إلى ذلك عانت كثيراً، بسبب كونها منطقة حدودية قريبة للعراق، فقد انخفضت الأراضي الزراعية ولم يبق صالحاً للزراعة فيها سوى حوالي 2% من أراضيها وخاصةً (زراعة القطن) بسبب الانقطاع المستمر للكهرباء ولمدة أيام،وارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج وندرتها من بذارٍ وسماد وأدوية مكافحة وعدم وجود سيولة نقدية وتوقف المصارف الزراعية عن التمويل للمزارعين والجمعيات وغيرها، وقلة اليد العاملة وهيمنة المسلحين وممارساتهم وممارسات النظام الذي لم يقدم فرص حقيقية للحل، مما دفع الكثير من أبناء الريف للالتحاق بهذه المجموعات..
أمّا ما أنتج فقد عانى ويعاني الفلاحون من عدم تسويقه وارتفاع أجور النقل، ناهيك أنّ كثيراً من الحقول تعرضت للحرق بسبب الصراع بين المجموعات التكفيرية وأمراء الحرب وتجار الأزمة على النفط والهيمنة في الريف الشرقي..وما بقي يشتريه تجار الأزمة بأسعارٍ زهيدة رغم سعره العالمي المرتفع، ويهرب ويباع في تركيا
محصول الرمّان في خبر كان..
تشتهر منطقة البوكمال بزراعة وإنتاج الرمان الذي يصل إلى مئات الأطنان في كل عام، وفي هذا العام انخفض الإنتاج كثيراً، بسبب معاناة الزراعة ككل. ولعل الخطر الأكبر في هذا العام هو صعوبة تسويقه وارتفاع تكاليف نقله، وتقطع الطرقات وهيمنة المسلحين التكفيريين عليها كاملةً، ناهيك عن القتال والاشتباكات المستمرة والقصف الجوي للمنطقة..وهذا سيسبب كارثة بشرية للفلاحين الذين لا مصدر عيش لهم إلاّ بيع ما ينتجونه، وسيضطرهم ذلك إمّا لبيعه بأسعارٍ زهيدة جداً..أو يتعرض محصولهم للتلف.
لا شكّ أنّ معاناة أهالي البوكمال عموماً والفلاحين خصوصاً تتشابه كثيراً مع مختلف المناطق في المحافظة والوطن..لكن هيمنة المسلحين التكفيريين المطلقة تضاعف هذه المعاناة..وبات غالبية المواطنين يبحثون عن حلّ يبقيهم أحياء على الأقل..وأنّ الحلّ يجب أن يكون سياسياً يوقف العنف والتدخل الخارجي ويفتح آفاق الحوار بين السوريين لمواجهة القوى التكفيرية التي قدمت من الخارج..ويمهد لبناء سورية الديمقراطية التعددية.