سورية تخسر «كوادرها»... والفساد ما زال مستمراً!
في عدرا العمالية.. وفي قرى وبلدات الغوطة.. في حلب والرقة ودرعا ومدن أخرى عديدة.. ثمة أصوات ترتفع وتئن من الجوع والعطش والحصار ويخبو الأنين مع أزير الرصاص وصوت المدافع.. ويسود صمت كصمت القبور.
سنة حمقى مرت، وسنة أخرى وأخرى ومعارك مازالت تشتعل من مكان إلى آخر، مع قلوب تحترق ونحيب يخترق الحرائق في جنائز مهمشة وأيادي متعبة وأجساد مرهقة.
فساد الهجرة
عائلات في دول الجوار تحلم بالعودة إلى الوطن، يردد «أبو محمود»، التسعيني من العمر، «وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند..».
في تركيا وفي اليونان آلاف الشباب يهيمون على وجوههم ويتزاحمون أمام مكاتب انتقلت من دمشق إلى هذه الدول، وقد امتهنت هذه المكاتب السمسرة بدماء السوريين من خلال تسفيرهم إلى ألمانيا والسويد ودول أوربية أخرى لقاء بضعة آلاف من الدولارات وبطريقة غير شرعية وبزوارق بدائية الصنع تتسع لخمسة أشخاص ويمتطيها مائة شخص.
وأبرز شروط هذه الهجرة تمزيق واتلاف جوازات السفر السورية ودفع المبلغ المطلوب ومن يغرق يغرق ..لا حول ولا.. ومن يصل.. يصل مكباً على وجهه بعد ساعات طويلة في عرض البحر.. وقد قتل المئات وقيّدت ضد مجهول.
سورية سابقاً
قدر الخبراء حجم مخرجات الفساد خلال عقود سابقة بثلث الناتج الوطني الاجمالي. أي مئات المليارات من الليرات السورية سنوياً.. ولم يتحقق رغم خطط التنمية الحد الأدنى من التوازن بين الأجور والأرباح. ووصلت البطالة في العقود الماضية إلى أرقام قياسية وصبر المواطن السوري على الفقر والبطالة والجوع والأزمات.
الدخول المتواضعة للعمال والموظفين حيث لا يغطي الراتب الشهري أجرة غرفة واحدة وفي مناطق المخالفات.. صبر الإنسان السوري المهني المنتج صاحب الحرفة على كساد إنتاجه أمام مافيا الاستيراد والليبرالية التي أغرقت الأسواق السورية بمنتجات كافة دول العالم.
خسائر الهجرة السابقة
لم تبدأ الهجرة مع الأحداث المؤلمة التي يمر بها الوطن الآن، بل بدأت منذ عقود.. ولا أزال أذكر ما نشرته إحدى الصحف العربية قبل 20 عاماً «الولايات المتحدة الاميركية تطلب عمالاً سوريين مع رواتب مجزية وضمانات صحية وذلك للعمل في تبديل شبكة مياه نيويورك بعد أن أجريت دراسات حول الشبكة وهي مصنوعة منذ 50 عاماً وتسبب سرطانات»، وبعد الإعلان مباشرة افتتحت في دمشق وبقية المدن السورية مكاتب عديدة لتسفير العمال وهي شبيهة بالمكاتب الموجودة الآن في اليونان وتركيا..
وتدفق الآلاف على هذه المكاتب بعد أن باعوا ما يملكون ودفعوا قيمته إلى هذه المكاتب، وهي مكاتب سمسرة ولصوصية السفر من سورية، بعد حملة إعلامية وسافر المئات بطرق أخرى. بشكل عام هجرة السوريين ليست جديدة.
وخسرت سورية خلال العقود الماضية أبرز كوادرها من أطباء ومهندسين وعلماء في شتى الحقول وكانت مؤسسات عديدة وخصوصاً النفطية تستقدم مهندسين من الهند وباكستان ودول عديدة أخرى للعمل في حقول النفط وبرواتب شهرية للمهندس 30 ألف دولار مع ميزات عديدة في حين يقبض زميله السوري وفي نفس العمل والمهام 20 ألف ل.س أو أقل مع بدء التعيين.
الهجرة الآن
الهجرة الآن هي الأقسى والأصعب.. وإذا كانت الهجرة في العقود الماضية لتحسين الظروف المعيشية فالهجرة الآن هي للهروب من القصف والقتل والتشريد والبؤس والخطف ولدفع الفدية.. هي الهروب من الشرخ الذي أصاب العائلة الواحدة.. الأخ وأخيه وجاره وأبن عمه ووالده.. من مافيات متنقلة ترتكب الموبقات تحت يافطات شتى ودوافع حيوانية لم تعرف سورية سابقة لها.
وتمر الأيام..
تمر الأيام والغصة في حلوقنا والكآبة على وجوهنا وليالينا ظلام دامس من خلال تقنين في الكهرباء يصل إلى 20 ساعة يومياً ومع انقطاع كلي للمياه في مناطق عديدة لأشهر أو أسابيع.
تمر الأيام على فئة امتهنت السمسرة والفساد والنهب لقوت الشعب واقتصاد الوطن.. امتهنت تهريب العملة واستغلال الأزمة لتتراكم أرباحها. وهي تقتنص الفرصة الآن في الاستيراد- التصدير-التهريب- شراء بيوت تهدمت- تأجير بيوت في الأماكن الأمنة يصل إجار المسكن إلى 80-100 ألف ل.س شهرياً- استيراد مولدات كهربائية- خطف وسرقة ونهب- وفي ارتكاب جرائم وموبقات لم تشهد سورية مثيلاً لها في تاريخها.