العيد السوري 2014.. الأزمة أعادت طقوس وألغت أخرى والزيارات محدودة أو منسية
توالت الصدمات بشكل مكثف على المواطن السوري خلال الأسبوعين الأخيرين من شهر رمضان. وقبيل عيد الفطر بأيام، توج الشهر برفع لأسعار شرائح مياه الشرب وأسعار العبوات المختومة في السوق، إضافة إلى رفع اسعار شرائح الكهرباء بمختلف الاستخدامات، وذلك بعد حوالي الأسبوع من قرار برفع سعر السكر والرز المقننين والخبز الذي كان سابقاً خطاً أحمر.
جميع العوامل التي ذكرت أعلاه، إضافة إلى سوء الوضع المعيشي للكثير من الأسر السورية المتضررة من الازمة الحاصلة، سواء ذات المدخول المحدود او الاسر منعدمة الدخل، دفعت المواطن السوري للتفكير بجدية أكثر بطقوس عيد الفطر، وتغييرها أو تقنينها بما يتناسب مع الوضع الراهن اقتصادياً، او العودة لطقوس وعادات قديمة كانت قد هجرت نسبياً,
العودة لصناعة الحلوى
من أهم طقوس العيد داخل منزل الاسرة السورية، هو تقديم الحلوى للزوار، إلا أن هذا الطقس خضع للتقنين بعد التفكير بجدية من قبل البعض، مثل أم سليمان وهي ربة منزل وأم لعائلة مؤلفة من 3 شبان وزوج خسر عمله نتيجة الازمة، والعائلة بأكملها تعتمد في قوت يومها على ابنهم في الإمارات العربية الذي يرسل لهم معونة شهرية.
اعتادت أم سليمان وعائلتها قبل الأزمة على شراء الحلوى الجاهزة من السوق، لكنها امتنعت هذا العام عن ذلك، بعد أن كانت تحاول في كل عام شراءها ولو بكمية قليلة خلال الأزمة، إلا أن العام الحالي كان "الاسوأ على العائلة وخاصة بظل رفع الاسعار الجنوني الذي شهده نهاية شهر رمضان" على حد تعبيرها، وقالت "سعر كيلو الحلوى (بالعجوة) وصل في السوق إلى 1300 ليرة سورية وهناك نوعية ممتازة اعتدنا على شرائها سابقاً، وصل سعرها إلى 2500 للكيلو الواحد، وهنا وجدت أن الحلوى المنزلية ستكون أوفر وبكمية جيدة".
وتابعت "لن يكلفني الأمر أكثر من 3000 آلاف ليرة سورية لصنع حوالي 3 او 4 كيلو بشكل متقن، وبنوعية جيدة من العجوة والسمن، فكيلو العجوة يتراوح مابين 175 و250، وسأحتاج لحوالي 2 كيلو سمن بما يقارب الـ800 ليرة، وطحين وسكر بحوالي 1000 ليرة أو 1500، وبهذا سأصنع كمية جيدة من الحلوى وبأقل من سعر السوق".
تؤكد أم سليمان، أن الظروف الحالية، جعلتها تعود إلى طقوس العيد القديمة التي عزفت عنها سابقاً وهو صنع الحلوى في المنزل مع الصديقات، وبهذا لن تخسر أسرتها شيئاً، بل عادت إلى عادات الماضي.
حتى عادات الماضي مكلفة
لكن حتى عادات الماضي، كانت مكلفة بالنسبة لبعض الأسر، حيث قالت أم فداء وهي أرملة وأم لـ3 أطفال وشاب معيل لهم موظف في القطاع الخاص، إن "راتب ابني لايكفي لجميع متطلبات العيد، ولاحتى لتقديم أرخص أنواع الحلويات، وستقتصر الضيافة على القهوة المرة والسكاكر والعصائر".
وبدوره، قال حسام موظف في القطاع الخاص ومتزوج حديثاً "سأكتفي بالبتيفور كنوع رخيص نسبياً من الحلوى وبكميات محدودة قد تفي بالغرض، بالإضافة للعصائر".
من طقوس العيد أيضاً، والتي اعتادت عليها بعض الأسر السورية، هي أن تكون وجبة الغداء في أول ايام العيد (شاكرية) والتي تحتاج إلى (اللحمة والعصاعيص) بحسب ماجد وهو ابن لعائلة مؤلفة من 4 أشخاص حيث قال إن "مدخول أسرتي لا يكفي لمثل هذه الوجبة، خاصة وأن مصاريفنا التي ننفقها على الحاجيات الضرورية جداً قد ارتفعت، إضافة إلى اجار المنزل الذي فاق 40 ألف ليرة قبل العيد بناء على طلب صاحبه".
وتابع "اسرتي ستستغني عن عادة وجبة الغداء المعروفة أول ايام العيد، ولا اعتقد أن تكون الحلوى المبتاعة من السوق موجودة لدينا هذا العيد، وقد نقوم بصناعتها في المنزل".
زيارة على (الواتساب)
ومن أكثر الأمور تعقيداً وصعوبةً هذا العيد بعد ان كانت من الأمور التقليدية، هي زياة الأقارب، حيث قالت سنا ربة منزل إن "زيارات عائلتها ستقتصر على النطاق الضيق والقريب جغرافياً جداً من مكان سكنها في جرمانا" مشيرةً إلى أن "الأوضاع الراهنة فرضت شرذمة بعض الأقارب إلى أماكن بعيدة نسبياً كصحنايا وجديدة عرطوز وضاحية قدسيا، ونتيجة لصعوبة المواصلات لن نتمكن من زيارتهم، وستقتصر المعايدة على الهاتف".
وتابعت "أما الاقارب في المحافظات الأخرى، فسيتم التواصل معهم عبر الانترنت (واتساب أو فيسبوك أو سكايب) إن توفر الاتصال بالانترنت حينها، او عبر الهاتف أيضاً".
وأكد حسام على ذلك (تحدث سابقاً) ، وقال إن "زيارة الأقارب في العيد، كانت من العادات المؤصلة لدى الأسر السورية وغير السورية، إلا أنها باتت خلال الأزمة الحالية محدودة وخاصة لمن هم بعيدون جغرافياً عنا، ولهذا ستقتصر زياراتنا على سكان منطقتنا (الدويلعة)، والأحياء القريبة منا" مشيراً إلى أن "زيارة الأقارب في المحافظات صارت من المنسيات، لخطورة الطرفات".
وتابع "زوجتي من مدينة ادلب، ولن نزور أهلها أو يزورونا هذا العيد، فالأوضاع الأمنية على الطريق غير مريحة، وتكاليفها عالية جداً، فقد وصلت قبل شهر رمضان إلى 2500 ليرة للمسافر الواحد عبر (البولمنات)، وفي الأعياد حتماً ستتضاعف هذه الاجرة".
مراكز إيواء ومقابر منسية
أبو عمار من مخيم اليرموك يقطن مع عائلته في مركز للايواء بدمشق، قال إن "زيارة الأقارب لنا شبه مستحيلة، فالمكان ضيق وغير ملائم لاستقبال الضيوف من خارج المركز، وعلى هذا قد اقتصر زياراتي لأقربائي داخل المركز فقط".
وتابع "فقدنا في هذا العيد وما سبقه العديد من الطقوس التي اعتدنا عليها قبل الأزمة، ومنها زيارة المقابر لقراءة الفاتحة على أرواح من فقدناهم ووضع أكاليل (الاس) على قبورهم، إلا أن المقبرة التي اعتدنا زيارتها سابقاً، من المستحيل زيارتها اليوم نتيجة توتر الأوضاع ومنع الدخول إلى مخيم اليرموك".
للأطفال فرحة مجتزأة
تقاليد العيد، لم تختلف فقط بالنسبة لرب الاسرى وربتها، بل كان للابناء وخاصة الأطفال النصيب الأكبر من اقتصار طقوس الفرح. يقول محمد وهو طالب طب بشري في كلية تشرين، يزور عائلته كل شهرين في دمشق، إنه "اعتاد في كل عيد أن يزور كل اصدقاءه، وأن يذهبو سوية إلى المطاعم والنوادي والمولات يومياً، إلا أن التوتر الأمني والضيقة المادية ستحول دون ذلك".
وتابع "سابقاً، وكشاب غير منتج، كانت لي مخصصات مالية من والدي في كل عيد، تكفي ثلاثة أو اربعة أيام من المتعة، لكن اليوم انعدمت هذه المخصصات تقريباً، وبت ادخر من مصروفي اليومي بعض الشيء لهذه الأيام، عدا عن أن الأماكن التي كنا نرتادها سابقاً في الأعياد بات الوصول اليها صعب جداً، إضافةً إلى رفض الأهل مغادرة نطاق الأحياء القريبة من مكان سكننا في ركن الدين".
وبدوره، قال باسل أب لـ3 أطفال أكبرهم 10 سنوات "سابقاً كنت أرسل طفلي الأكبر مع الصغار للعب بالأراجيح في ساحة العيد التي تبعد عن مكان سكني حوالي 1 كيلو متر فقط، لكن اليوم أنا مضطر لأصطحابهم بنفسي إلى ساحة العيد وأن ابقى بجوارهم حتى العودة للمنزل، خوفاً من الخطف أو اي امور أخرى أفرزتها هذه الأزمة".