حلب.. تعددت «الجبهات» والأزمة الإنسانية مستمرة

حلب.. تعددت «الجبهات» والأزمة الإنسانية مستمرة

تعددت جبهات «الحرب» المشرعة في وجه المواطنين في محافظة حلب وريفها، جبهات لا يملكون أمامها أدنى مقومات البقاء على قيد الحياة. فمنذ بداية الأزمة في سورية، «الجملة التي ملها التكرار ومجها السمع»، تعرضت المدينة ومازالت لتدمير ممنهج طال جميع مرافقها، وتحولت حاجاتها الأساسية إلى وسيلة ابتزاز استلت في وجه المواطنين. 

لتستخدم أبشع استغلال ابتداءً من الأمن والغذاء والدواء والمحروقات وصولاً إلى الماء، ولا ندري ما قد تجلبه الأيام القادمة أو ما قد يتفتق عنه ذهن تجار الحرب فيها.

مدينة منكوبة..

مدينة هي اليوم تعيش كارثة إنسانية، وقد تعتبر «منكوبة» وفق المقاييس العالمية. فتراكم النفايات وارتفاع درجات الحرارة وتقاعس البلدية عن رش المبيدات الحشرية أدوا إلى انتشار حشرات غريبة غير مألوفة، وبروز ظاهرة الكلاب الشاردة ، إضافة للأفاعي التي باتت تشاهد في الطرقات نتيجة الحفر العشوائي للآبار، إضافة لظهور حيوان «الغريري» وهو حيوان يشبه الثعلب يقتات على الجثث واللحم البشري، نتيجة لانتشار «الجثث» البشرية النافقة نتيجة الاشتباكات الدامية بين أطراف الصراع المسلح.

أزمة مياه أم تجارة وتلاعب؟ 

مر شهر على المدينة وضواحيها دون توفر المياه بعد التفجير الذي طال شبكتها دون أي محاولة جدية من المحافظة والجهات المعنية للبحث عن حل إسعافي سريع لهذه المشكلة، ليتم اللجوء إلى وسائل مواربة، تقضي بتوزيع المياه وفق برامج «قفز الحواجز»، حيث يتم تخصيص يوم لعدة مناطق، إلا أن المفارقة تكمن في أن هذا البرنامج لا يطال سوى مناطق معينة كـ «منطقة قصر المحافظ»، في الوقت الذي حرمت فيه مناطق أخرى منها بشكل كامل، ناهيك عن ضعف الضخ الذي أدى إلى عدم وصول المياه لأكثر من الطابق الأول في الأحوال الطبيعية، ما يضطر المواطنين لاستخدام المضخات أو «السنترفيش»، الأمر الذي يجعل التوزيع غير عادل. أما الذي لا يمتلك مضخة، فعليه الوقوف لساعات طويلة تحت الشمس الحارقة، خاضعاً لمزاجية مَنْ يدير الآبار، أو أن يضطر لدفع مبلغ 2500 ل.س مقابل صهريج ماء بسعة «1000 ليتر» والذي لا يكفيه أكثر من يومين .

الزيارة الحكومية «عبء إضافي»!

كان لزيارة وفد الحكومة وقعها الخاص على الشارع الحلبي، وخاصة ما سبقها من أجواء احتفالية، من تنظيف وغسل للشوارع بمياه تكفي لإرواء المدينة كلها لمدة يومين، إضافة إلى فرش بعض شوارع المدينة، الواقعة على خط سير موكب الوفد الحكومي، بالإسفلت في وقت تستغيث فيه خزينة المدينة من أزمات عالقة بسبب قلة التمويل. 

هذا وقد استبشر بعض الحلبيين وتشاءم بعضهم الآخر، منتظرين ما ستتمخض عنه هذه الزيارة العتيدة لمدينة كاد يُنسى أنها مازالت محافظة سورية، على الأقل في ذهن مواطنيها، بعد أن ذاقوا الأمرين نتيجة هذه الأوضاع والإهمال الحكومي والجهات المعنية والصراع الدموي بين الأطراف المتصارعة.

غياب الإجراءات ورؤية الحل

ثم جاء إعلان الإفراج عن 6 مليارات ليرة كمساعدات للمدينة، موزعة بين مواد إغاثية ومحروقات ومواد معيشية أساسية، ليتساءل «مواطن» عن الجيوب التي ستصب فيها هذه المبالغ كما صبت سابقاتها، «قطاع الكهرباء» على سبيل المثال لا الحصر؟

كما صرح رئيس الحكومة عن تحسن وضع الكهرباء خلال ثماني وأربعين ساعة قادمة، ما أدى لانخفاض ساعات التيار الكهربائي، مع توفر خدمة «الأمبير»!؟، كما تم وضع 80 بئراً في الخدمة بأسرع وقت ممكن ورفد المدينة بـ 20 صهريجاً إضافياً، دون الحديث عن أي خطة في الغد المنظور لحل جذري لمشكلة «محطة سليمان الحلبي».

لقد أوصل هذا الواقع المأساوي بتداعياته الكارثية المواطنين إلى حد العمل لشراء ما تبقى من رمق الحياة المهدورة أصلاً في حرب «عبثية» طاحنة هم الخاسرون فيها دون سواهم.