من الذاكرة : الإجابات الشافية
مع اشتداد لهاث السياسات الاقتصادية الليبرالية لاستعادة أنفاسها في تنفيذ مهمتها بمحاربة قطاع الدولة، والتهيؤ لاقتناص «فرص» إعادة البناء.. تساؤلات عديدة تضج بها ساحة العقل وأضلاع الصدر، تتابعها نفوس المواطنين المتعبين القلقين، مترقبين أجوبة العارفين بظواهر الأمور وبواطنها.
وهذا الكلام ليس حديثاُ فلسفياً، بل هو مسعى نحو إجابات شافية لتساؤلات محقة، وفي مقدمتها:
مَنْ في خدمة مَنْ؟ الشعب أم السلطة؟ الملايين المنتجة أم الرأسمال؟ المواطنون أم القوانين؟!
وهنا يحضرني بالتحديد قولان مازالت ذاكرتي تحتفظ بهما منذ ثلاثين عاماً، الأول: «يخطئ من يعتقد أن الرأسمالي ينتج ما يلبي طلب الجماهير، إنه من حيث المبدأ يلحق بالقوة الشرائية الأعلى التي هي عند بقية الرأسمالين، وإذا وجد فرصاً للربح في إنتاج ما يستهلكه الشعب، فذلك ليس بهدف تلبيته، بل بهدف استغلاله في التداول والاستهلاك كما في الإنتاج».
والقول الثاني جاء على لسان الرفيق فيدل كاسترو في حواره مع القس البرازيلي فراي بيتو:
«استناداً إلى أعجوبة حققها المسيح، أقول: المسيح ضاعف كمية السمك والقمح كي يطعم الشعب، ونحن بمساعدة الثورة الاشتراكية كذلك نضاعف كمية السمك والخبز لنطعم الشعب، نكثر من المدارس والمعلمين والمشافي والأطباء، ونكثر من المصانع والحقول وأمكنة العمل، ونزيد من إنتاجية الصناعة والزراعة».
إن الامتدادات المحلية لقوى السوق العالمية في ظل العولمة المتوحشة تنشط ليس فقط للهيمنة السياسية، بإزاحة الدولة عن مقاليد التأثير على القرار الاقتصادي، بل ونقل مركز الثقل في هذا المجال إلى أيديها من أجل الاستيلاء لاحقاً على جهاز الدولة نفسه.
إن المصلحة الوطنية العليا اليوم تتطلب القطع النهائي مع السياسات الحكومية «الخاطئة» وتغيير توجهها جذرياً بما يخدم مصلحة وكرامة الوطن والمواطن. في السير إلى الأمام نحو الحفاظ على مشروع الدولة الوطنية، وتطوير دورها الحامي والمتفاعل مع المجتمع دون وصاية، وإزاحة كل السياسات الاقتصادية الليبرالية التي لعبت دوراً تدميرياً، تدفع البلاد اليوم ثمنه غالياً.
إن التوجس الحقيقي لدى كل وطني هو في كون نفخ «الروح» في السياسات الاقتصادية الليبرالية بوابة لتقاسم جديد لثروات البلاد بين أصحاب رؤوس الأموال والمتنفذين والناهبين وكل الفاسدين.
يجب الإسراع للسير إلى الأمام وليس العودة إلى الخلف، بسياسة اجتماعية تنموية قوية تلبي مصالح الشعب والوطن.