من الذاكرة : نبع المحبة

من الذاكرة : نبع المحبة

«في أيار الدامي... سمع الناس الخبرا
قتل العمال الشهداء برصاصات الغدرِ
وهم الوعد المرصود ليومٍ
لا يتأخر.. لا يرتد إلى أمسِ
يمتدُّ يهرول نحو المستقبلْ»
أبيات تتردد في خاطري كلما سطعت شمس الأول من أيار، عيد العمال العالمي، لتعود بي الذاكرة إلى عمر الفتوة والشباب، فأتذكر أحداثاً مازالت حية، حتى بتفاصيلها، وأرغب اليوم في الحديث عن بعض منها:
الحدث الأول:
احتفال فرقتنا الحزبية أول مرة بعيد العمال ضمن غرفة متواضعة في بيت الرفيق نزار جمعة بدخلة «فلاحة» في حارتنا على سفح قاسيون، وكنا ستة رفاق بالإضافة إلى الخالة أم نزار التي استقبلنا بكل ترحاب وقدمت لنا الشاي وحضرت جانباً من الاحتفال واستمعت لبعض الحديث عن المناسبة وعن نضالات العمال من أجل حقهم بأجور عادلة وساعات عمل محددة، وعلى الرغم من أن الخالة لم تكن منظمة في صفوف الحزب، إلا أنها والحق يقال كانت واعية، وأكثر نشاطاً وحركة بين الناس وفي بيوت الحي، من بعض الرفاق، فهي تناقش في السياسة وأخبارها، وتحفز وبخاصة لدى الشباب الحماسة والتأييد للحزب.
والحدث الثاني:
هو مشاركة أعضاء فرقتنا في مظاهرة خاطفة بمناسبة أيار في منطقة السنجقدار، يوم رفع الرفاق العلم الأحمر على أحد أسلاك الكهرباء وهم يهتفون للعمال ولسورية «منبع الحرية» وعند تفرق المظاهرة قبيل وصول قوات الشرطة، سرت بصحبة الرفيق عبد الغني عرفات إلى بيته المطل على نهر بردى قرب ساحة المرجة، وهناك انتظرت مجيء شقيقه رفيقي وزميلي في الدراسة عبد الرزاق وزميلي فيما بعد في سجن قلعة دمشق زمن الانفصال.
أما الحدث الثالث:
فهو ما جرى في إحدى جلسات البرلمان السوري صيف عام 1955 من نقاشات حامية حول إصدار قرار لإنصاف العمال والاعتراف ببعض حقوقهم المشروعة، ويومها سمعت حديثاً مفصلاً عما جرى، حدثني به الرفيق ميشيل منيّر الذي أتيح له أن يكون في عداد ضيوف تلك الجلسة التي كان نجمها الأبرز نائب دمشق الرفيق خالد بكداش، الذي قدم مداخلة هامة ركزت على ضرورة تلبية مطالب الطبقة العاملة السورية، وعند إصدار القرار لم تذكر فيه عبارة «الطبقة العاملة»، واستعيض عنها بعبارة «العمال» فوقف الرفيق خالد ليقول: إن حذف عبارة «الطبقة العاملة» لا يعني أنها غير موجودة على أرض الواقع، بل هي موجودة وتناضل ببسالة في سبيل حقوقها، وأتشرف أني أحد ممثليها.
وفي ختام هذه الزاوية أقول:
قبل أسبوع رحل عنا الرفيقان القديمان عبد الغني عرفات ونزار جمعة، فلهما ولكل الرفاق الذين رحلوا صادق مشاعر الوفاء والتقدير والاحترام.
وهذا لسان الواقع يردد صادقاً: إن نبع النضال لا يعرف نضوباً أو غوراً، فهذه حقيقة الحياة ولهذا فنحن «الشباب المتقدمين في السن». يسعدنا وينشط عزيمتنا استمرار الحياة النابضة أبدأ بزخم وإبداع ونضال الشباب الوافدين إلى الميدان، لصنع غد أفضل وأجمل لسورية الغالية.