أفراح مؤجلة.. وطقوس زواج «غير مألوفة»!
لم تعد تصدح حناجر النسوة بالزغاريد، وما عادت أياديهنّ تنثر الأرز فوق مواكب العرسان، وبات الفرح حلماً مؤجلاً في عيون السوريين، وصار المقصد من الزواج البحث عن السترة أو تحقيق حلم طال انتظاره، بعد أن تنازل العروسان عن جميع مطالبهم.
تلاشى الحلم الجميل الذي كان يراود «مرح» كل ليلة بعد أن مضى على خطبتها ما يقارب العامين. تقول مرح «خطبت لشاب وكانت حفلة الخطبة على النطاق الضيق على أمل أن تنتهي الأزمة السورية ونقيم حفل زفاف كبير، لكن شهور الأزمة طالت، ونحن ننتظر.
الحلم «الأبيض» لم يعد موجوداً
وفي كل مرة نقوم فيها بتحديد موعد للزفاف كان يستشهد شخص من أفراد عائلة خطيبي أو أحد من أفراد عائلتي. كما نزح أهل خطيبي عن منزلهم، وباتوا يقيمون في أحد مراكز الإيواء، ونحن كنا اشترينا شقة صغيرة في منطقة زملكا لكننا لم نعد نعرف ما هو مصير الشقة التي اشتريناها، لذلك لم يعد يحمل الزفاف أي معنى للفرح بالنسبة لي ولخطيبي، حتى أننا بتنا نخشى تحديد موعد للزفاف خشية سماع خبر غير سار».
تجمع قصة حب كبيرة بين «حيان» و«لين»، ويعلم أهلهما بهذه القصة لكنهما يرفضان الارتباط في هذه الظروف، حيث مازال «حيان» يؤدي الخدمة العسكرية منذ أكثر من سنتين، وهو دائماً ما ينتقل بين القرى والمحافظات السورية.
وتتحدث «لين» عن معاناتها قائلة «في البداية كانت علاقتنا جيدة جداً، وكنت أنتظر اتصال حيان بفارغ الصبر، ولكن بعد فترة بات حديثنا يقتصر على أخبار الحرب والاستشهاد والخوف، ففي كل مرة تنقطع فيها الاتصالات تراودني الأفكار السيئة عن استشهاده»، وتتابع لين «لم يرض والدي بتزويجنا في هذه الظروف خشية استشهاد حيان وبالتالي أصبح أرملة».
الترمل وعودة العادات البالية!
لم يمض على زواج «نور» عامان حتى أصبحت أرملة، ولديها طفل استشهد والده قبل أن يراه، وتجهز نفسها للزواج مرة ثانية، لكن العريس هذه المرة هو شقيق زوجها الذي توفي قبل فترة.
تقول نور «أجمع أهلي وأهل زوجي السابق على تزويجي من شقيق زوجي بعد أن أنجبت طفلي، والحجة هي أنني صغيرة ولن أكون قادرة على تربية الطفل وحدي ولن يترك أهل زوجي طفلي يربى في بيت غير بيت أهل والده، وأنا لن أتخلى عن طفلي». وتتابع «لا توجد أية مشاعر بيني وبين زوجي الجديد فأنا كنت أعتبره بمثابة أخ لي، ولم أتخيل ولا أستطيع أن أتخيل أن تجمعنا أية مشاعر حب، وأنا أعرف أنه يحب فتاة أخرى، لكنه رضخ للأمر الواقع كما فعلت أنا».
تزويج المرأة من شقيق زوجها كانت عادة قديمة لدى بعض العائلات في المدن السورية، لكن الوعي بحقوق المرأة جعل هذه العادة تتراجع في السنوات الأخيرة إلى أدنى مستوياتها، ولكن الظروف الاجتماعية والمعيشية الجديدة فرضت نمط حياة جديد على الأسر السورية، جعل من بعض العادات القديمة أمراً مقبولاً فيه إلى حين انتهاء الأزمة السورية.
العرس على «الضيق»
وبدروه يقول «لؤي»، شاب في التاسعة والعشرين من عمره، «كنت أؤجل خطوة الزواج على أمل أن تنحل الأزمة في وقت قريب، لكن الظروف تتجه نحو الأسواء ونحن جيل يحب أن يعيش شيئاً من الفرح، لذلك تقدمت لخطبة فتاة، وقد وافق أهلها على الخطبة بشروط سهلة جداً فلم يطلب الأهل مهراً مرتفعاً وتلبيسة ذهب كبيرة ولا حتى طالبوا ببيت مستقل، كما أنهم لم يشترطوا إقامة حفل زفاف، كما كانت العادة قبل الأزمة».
ويتابع لؤي «إن هذه الظروف تساعد الشبان على فكرة الزواج بعد أن كان الزواج حلماً بعيد المنال على الكثير من الشبان بسبب التكاليف المرتفعة للزواج في سورية».
«العرس على الضيق» عبارة بات يرددها السوريون في مختلف المناطق، حيث باتت حفلات الزفاف تقتصر على الدائرة الضيقة من أهل العريس وأهل العروس.
ولم تبق «عين» إلا ودمعت
تقول «جمانة»، التي سيعقد حفل قرانها بعد أيام قليلة، «لم أقم حفل خطوبة على أمل أن نقيم حفل زفاف كبير عند انتهاء الأزمة، ومضى على خطوبتنا سنة ونصف تقريباً، لذلك قررنا أن نتزوج خوفاً من أن تطول سنوات الأزمة أكثر من ذلك».
وتتابع «جمانة» حديثها قائلة «دفعتنا الظروف الحالية التي نعيشها للتخلي عن الكثير من الركائز لعملية الزواج، فأهلي لم يطلبوا مهراً من العريس، وسجلنا المهر على أنه غير مقبوض وكذلك الذهب، فقد تخليت عنه واقتصر الأمر على خاتم زواج من الذهب البرازيلي، ولم اشتر سوى عدد بسيط من قطع الملابس، ولن يكون هناك حفل زواج كما كنت أحلم، ولن أخيط فستان الزفاف الذي كنت أحلم به، بل سأستأجر فستان زفاف أبيض، وكذلك خطيبي سيستأجر طقماً أسود كي نلتقط صوراً للذكرى فقط»، وأضافت «لم يعد هناك فرحة للعروسين كما كان من قبل، حيث لا يوجد منزل في سورية إلا وفقد أحد أفراده، ولم تبق عين في سورية إلا ودمعت، والزغاريد التي كانت تطلق ابتهاجاً باتت اليوم عنواناً لزفاف شهيد، وهذا أمر محزن جداً بالنسبة لنا».
زواج أم «متاجرة» أم سترة..
انتشر مفهوم زواج «السترة» بشكل كبير في صفوف العائلات السورية بعد بداية الأزمة، حيث ينطوي هذا النوع من الزواج على عدد من المفاهيم التي لم تكن موجودة قبل الأزمة.
تقول الأخصائية الاجتماعية عليا سعد «لجأ عدد كبير من الأسر السورية الموجودة داخل سورية وخارجها لتزويج بناتهن دون وجود أي أدنى شروط للتكافؤ العمري أو الفكري أو الاجتماعي بين الطرفين، وعادة ما يقع هذا النوع من الزيجات بحق الفتيات اللاتي هن دون عمر الثامنة عشرة عاماً، وغالباً ما يكون الدافع خلف هذا التصرف هو خوف الأهل من وفاتهم أو حدوث أي مكروه لهم وترك بناتهم لوحدهن مما يجعلهن عرضة للمضايقات الاجتماعية وخاصة موضوع الخطف والاغتصاب، الذي مع الأسف بات يهدد مصير عدد كبير من الفتيات داخل سورية، وذلك في ظل الانفلات الأمني الذي تعيشه عدد من المدن والمحافظات السورية».
على السوريين أن يعوا..
أما في خارج سورية «فقد تم تزويج عدد كبير من الفتيات اللواتي كنا يقمن مع عائلاتهن في مخيمات وبلدان اللجوء وخاصة مخيمات التركية والمخيمات الأردنية التي شهدت أكبر حالات زواج لسوريات من رجال من الأردن والخليج العربي بعد إيهام أهل الفتيات بأن بناتهن سوف يكن في أمان ويعشن حياة كريمة.
إلا أن العدد الأكبر من الفتيات اللواتي تزوجن بهذه الطريقة عدن لذويهن مطلقات، وهن لم يتجاوزن الثامنة عشرة من العمر».
وتتابع عليا «أن الفتيات في لبنان تعرضن للأمر نفسه وكانت عملية الزواج تتم عبر سماسرة معينين، يستغلون عجز وحاجة العائلات السورية»، وتضيف «على السوريين أن يعوا أن السترة للفتاة هي عبر إتمامها لتعليمها ونضوج بناتهن إلى حين بلوغهن سناً تؤهلهن للزواج».