مشفى الأطفال: ضمير غائب ورحمة ممنوعة من الصرف!
رغم التصريحات الكثيرة التي تعد بالإصلاح ومحاربة الفساد المستشري في الدوائر الحكومية، وإنصاف المواطن، ومحاسبة المقصرين، لكن من الواضح أن الفساد وانعدام الشعور بالمسؤولية بات جزءاً لا يتجزأ من شخصية بعض الموظفين الحكوميين الذين يتقاعسون عن أداء واجبهم اتجاه المواطن، على الرغم من حساسية مواقعهم الوظيفية وأهميتها في حماية حياة المواطن. ولعل مشفى الأطفال في دمشق (قرب المواساة) خير دليل على بعض هذه الممارسات اللاأخلاقية واللاإنسانية التي يتعرض لها المرضى على يد بعض الموظفين الذين على ما يبدو ماتت ضمائرهم وفقدوا أي حس بالمسؤولية وتناسوا إنهم مؤتمنون على حياة البشر. وهو الأمر الذي أكدته (أم أحمد) لـ«قاسيون» حين وصفت تجربتها الأخيرة مع هذه المشفى.
(أم أحمد) هي أم لطفل شاءت الأقدار أن يولد مصاباً بداء (بروتون) أي نقص المناعة العامة في الجسم، الذي يحتاج المصاب به لمتابعة دائمة وإسعاف فوري في حال الضرورة. وعندما لجأت (أم أحمد) إلى مشفى الأطفال لإسعاف ابنها ووضعه تحت إشراف المختصين واجهت العديد من الإشكالات والإساءات، وهو ما ترغب هذه الأم بوضعه بين يدي المسؤولين ليصبحوا على اطلاع بما يتعرض له المرضى من استخفاف بحياتهم من بعض الموظفين المستهترين بحياة المواطنين والأطفال منهم تحديداً.
تقول (أم أحمد): «عندما أسعفت أبني البالغ من العمر 12 عاماً في المرة الأخيرة، رفض الموظف في مكتب التسجيل استقباله رغم ملامح الألم الشديد البادية على وجهه، وجاء رفضه بحجة أنه اكتشف بحدسه الوظيفي أن ابني تجاوز الرابعة عشرة من العمر دون أن يكلف خاطره بالنظر في دفتر العائلة لمعرفة عمر أبني الحقيقي».
وتضيف (أم أحمد): «يحتاج ابني إسعافاً فورياً في حال تفاقم وضعه فجأةً، فهو مضطر لأخذ إبرة كل عشرين يوماً حتى يبقى على قيد الحياة، ومن الضروري أن يبقى تحت الإشراف الطبي لعدة أيام بعد كل إبرة وفقاً لتقديرات الطبيبة المشرفة عليه منذ ولادته، الأمر الذي يجعل من المستحيل أن يأخذ ابني هذه الإبرة في أي صيدلية خاصة، إضافة لعدم تواجدها خارج هذه المشفى بسبب ارتفاع سعرها البالغ قرابة (40) ألف ل.س، وهو مبلغ كبير لا تستطيع أسرتي تأمينه كل عشرين يوماً.. ورغم علم الموظف بحساسية وضع ابني فقد رفض استقباله للحجة المذكورة، ما أخر علاجه لعدة أيام ليظل تحت سطوة الألم طيلة هذه المدة».
ولم يكن يمكنني- والقول لـ(أم أحمد)- إلا أن اتصلت بالطبيبة المشرفة على مرض ابني وأخبرتها برفض الموظف استقباله، فطلبت مني الطبيبة أن أنتظر ريثما تطّلع على وجهة نظر الموظف المستهتر، وبعد يومين طلبت مني إحضار ابني إلى المستشفى بعد أن أقنعت ذلك الموظف بأن عمره لم يتجاوز الثلاثة عشر عاماً، بعد أن عرضت عليه دفتر العائلة الذي رفض النظر إليه طبعاً، وعندما قام الموظف بتسجيل ابني في سجل الدخول أخبرني بأنها المرة الأخيرة التي سيستقبله فيها داخل المشفى، رغم أنه لم يصل إلى سقف العمر الذي تحدده المشفى لاستقبال الأطفال وهو سن (الرابعة عشرة).
وتابعت: «اضطررت أن أوافق على قرار الموظف التعسفي واللامسؤول حرصاً مني على تخفيف الألم عن ابني حينها، وحتى لا يعود ذلك الموظف عن قراره باستقباله في المشفى، لأترك أمر علاجه في المرات القادمة للمجهول».
وتؤكد (أم أحمد) أنها لا تعرف ماذا تفعل في المرات القادمة عندما يحتاج ابنها لإسعاف فوري، خصوصاً أن مرضه لا نهاية له، حيث أن المصاب بداء (بروتون) لا يشفى منه، بسبب عدم وجود دواء حقيقي لعلاج هذا الداء، ويقتصر علاجه على المسكنات والإبر التي تكسب جسم المصاب مناعة مؤقتة تنتهي مع انتهاء مفعول الإبرة كل عشرين يوماً.
تتساءل (أم أحمد) هل حياة المواطن السوري رخيصة إلى هذا الحد حتى يتجاهل المعنيون في وزارة الصحة ممارسات موظفيهم المستهترين والذين يفتقدون لحس المسؤولية والإنسانية؟ وهو سؤال تضعه «قاسيون» كما هو في رسم المعنيين الذين أقسموا على رعاية مصالح المواطن السوري ومصالح أطفاله.