حلب.. الآثار تحت النار!
تعيش حلب أياماً عصيبة، وأوضاعاً مزرية طالت مختلف نواحي الحياة، نتيجة التوتر الأمني والاشتباكات العنيفة التي استخدم ويستخدم فيها أنواع ثقيلة من الأسلحة قد لا تفرق بين الحجر والبشر.
وعدا عن الضحايا التي سقطت في خضم الأحداث في المحافظة، فقد كانت هناك خسائر مادية ذات أهمية تاريخية وأثرية لجميع السوريين وبمختلف توجهاتهم، فقد تعرضت للتدمير والتخريب تحت النيران، دون اكتراث أطراف الصراع المسلح.
وبحسب تقارير صادرة عن المديرية العامة للآثار والمتاحف، اطلعت صحيفة قاسيون على نسخ منها، فإن (الاشتباكات الأخيرة، ألقت بظلال قاتمة على الجامع الأموي الكبير في حلب مجدداً، فقد أفادت مديرية آثار حلب بتضرر الجامع من جهة جداره الجنوبي تحديداً حيث أُحدثت فيه فتحة كبيرة، كما حُرق جزء كبير من أثاثه، إلا أنه يتعذر حالياً تقديم معلومات أكثر دقة بسبب صعوبة الوصول إلى المكان).
وكان الجامع الأموي الكبير في حلب، قد تعرض نهاية العام الماضي لأضرار من الخارج والداخل، وأصدر الرئيس بشار الأسد حينها وعلى أثر ذلك، القرار الجمهوري رقم 18 للعام 2012 والقاضي بتشكيل لجنة إنجاز صيانة وترميم الجامع الأموي الكبير، إلا أنه وبحسب تقارير المديرية فإن (الجامع لايزال بحاجة إلى إجراء دراسات ميدانية علمية وفق أسس ومعايير أثرية، للوقوف على الحجم الحقيقي للضرر، من حيث درجة تأثر البنى المعمارية الأصلية والمرممة )
وفي سرد لتفاصيل أكثر عن الأضرار والخسائر الأثرية التي طالت محافظة حلب، فإنه وبحسب تقارير مديرية الآثار، فقد (تعرض متحف التقاليد الشعبية شباط الماضي، لتفجير بعبوة ناسفة في جزء من جداره الشرقي الذي يضم غرفة النحاسيات، كما تمّ تفجير قفل باب المتحف الخارجي الحديدي).
وبعد عدة أيام فقط، وردت معلومات من مديرية آثار حلب، تفيد بأن (المسلحين الذين كانوا قد اقتحموا متحف التقاليد الشعبية لفترة قصيرة، قد خرجوا منه، وأن المديرية تنتظر وصول موظفيها إلى المكان لإجراء الجرد التفصيلي، علماً أن القطع الأثرية في مخابئها وهي مؤمنة إلى الآن)، إلا أنه وحتى الآن لاتوجد أية تقارير موثقة عن حال المتحف ومقتنياته بعد الحادثة.
تشرين الثاني شهر المآسي
وبحسب التقارير التي أطلعت عليها صحيفة قاسيون، فإن ذروة الأضرار التي تعرضت لها آثار حلب، كانت في تشرين الثاني من العام الماضي الذي شهد سخونة في الأعمال المسلحة في المحافظة، والبداية كانت في تقرير يفيد بأنه (وبسبب الاشتباكات الدائرة في حلب، احترقت مئات المحال الأثرية في الأسواق القديمة، والتهمت النيران البضائع والأبواب الخشبية الجديدة لبعضها، خاصة في أسواق: الزرب، العبي، العتمة، العطارين، النسوان، الصوف، الصاغة).
وأردفت التقارير أن (المعلومات تشير إلى تضرر أكثر من 150 محلاً أثرياً، وأن النيران التهمت محال في أسواق لم يتم تحديدها بعد لصعوبة وصول المعنيين من مديرية آثار حلب بغية التقصي والوقوف على حجم الضرر الحقيقي والدقيق).
وفي شهر تشرين الثاني الماضي أيضاً، أظهرت عدة صور نشرتها بعض وكالات الأنباء، تعرّض البيمارستان الأرغوني بحلب (المعروف بمتحف الطب والعلوم) لبعض الأضرار، وهو ما أكدته مديرية آثار حلب فعلاً، والتي أكدت أيضاً أنه من الصعب تحديد طبيعة وحجم الأضرار لصعوبة الوصول إلى المكان، إلا أنه وحتى الآن لم يصدر عن المديرية أي توضيح جديد.
وتعرض كهف الديدرية في جبل سمعان بحلب، في الشهر ذاته أيضاً، لأعمال تخريب، وبحسب تقارير المديرية العامة للآثار والمتاحف، فإن أعمال التخريب هذه (شملت مربعات التنقيب والمقاطع الأثرية التي نَقَّبتها سابقاً البعثة الأثرية العاملة في الموقع، وسُرِقَت عدّة التنقيب وكمية كبيرة من ألواح وأعمدة خشبية موجودة ضمن المستودع كانت تستخدم في أعمال التنقيب).
وتعرض متحف حلب الوطني، أيضاً في تشرين الثاني من العام الماضي، لخسائر مادية، وأفادت تقارير المديرية حينها أنه (أصيب أمين المتحف وحارسان بجروح طفيفة، نتيجة تفجير إرهابي ضرب ساحة سعد الله الجابري، وتفجير آخر قرب فندق الأمير في حي باب جنين، حيث اشتملت الأضرار على تهشم زجاج جميع نوافذ المتحف تقريباً، وسقوط سقفه المستعار).
ونتيجة اشتداد الأضرار الأثرية في شهر كانون الثاني الماضي، أكدت المديرية العامة للآثار والمتاحف أنه (تم نقل القطع الأثرية من متحف حلب إلى مناطق آمنة) وأشارت إلى أن (التفجيرات التي ضربت وسط حلب قبل فترة، كانت انعكاساتها غير خطيرة واقتصرت أضرارها على الماديات، حيث تقوم مديرية آثار حلب بإجراءات إضافية لتوفير مزيد من الحماية).
ومن ناحية أخرى، أكدت المديرية في التقرير ذاته الصادر قبل 4 أشهر، أنه (ما زالت أسواق حلب القديمة والجامع الأموي الكبير بحاجة إلى دراسات ميدانية بطريقة علمية ووفق أسس ومعايير أثرية، للوقوف على الحجم الحقيقي للضرر، سواء عدداً أو نوعاً من حيث درجة تأثر البنى المعمارية، وتحديد ما اذا اقتصرت الأضرار على الأجزاء المرممة في الجامع الأموي والكتب والمقتنيات، أم امتدت إلى الأقسام الأصلية فيه ).
جهود محلية ومناجاة دولية
وقال مصدر ذو صلة في مديرية الآثار والمتاحف لصحيفة «قاسيون»، فضل عدم ذكر اسمه، إنه (تم تبليغ الإنتربول عما فقد من قطع أثرية بشكل عام، إضافة إلى القطع التي انتشرت لها صور على الهواتف النقالة، ويعتقد أنها للقى أثرية سورية غير مكتشفة وغير مسجلة بعد، ربما قد وصل إليها لصوص الآثار عبر التنقيب غير المشروع في المواقع البعيدة).
وأضاف المصدر أنه (تم التعاون مع المنظمات الدولية لتبادل الرؤى والأفكار والمعلومات حول الوضع الراهن للتراث الثقافي السوري، وقد نظمت منظمة الإيكوموس ورشة عمل عبر الانترنت بهدف تعزيز مهارات الكوادر الوطنية السورية على أساليب وتقنيات حماية التراث الثقافي في حالات الخطر، وذلك بمشاركة خبراء دوليين من منظمتي الإيكوموس والإيكروم).
وأردف أنه (هناك إجراءات تم اتخاذها من وزارة الثقافة والمديرية العامة للآثار والمتاحف، والجهات المختصة، لتأمين حماية المواقع الأثرية مثل الجيش، وقوى حفظ النظام، والشرطة، والجمارك، والمحافظة، والبلديات، وبفضل هذا التعاون أُعيدت مسروقات أثرية عبر مصادرات في دمشق وطرطوس وتدمر وحمص وحماة ودير الزور وغيرها، بلغ مجموعها حوالي الـ 4 آلاف قطعة تبدأ من خرزة أو مسكوكة وتنتهي بتمثال أو لوحة فسيفساء» مؤكداً أن»نسبة لا بأس بها من هذه المصادرات كانت مزيفة).
وكانت المديرية العامة للآثار والمتاحف، أكدت في تصريحات صحفية سابقة، بأنها وضعت جميع القطع الأثرية في أماكن آمنة، وأنها قامت بتركيب أجهزة إنذار في بعض المتاحف والقلاع، إضافةً إلى زيادة عدد الحراس وتكثيف دوريات المناوبة.