الشعب.. لقمته وكرامته
ستيركوه ميقري ستيركوه ميقري

الشعب.. لقمته وكرامته

إن فهم ما يجري في سورية وربطه مع ما يجري في المنطقة والعالم، أمر ضروري وملح، خصوصاً عندما تكون اللوحة قاتمة وخطوطها متشابكة ومعقدة، وبالتالي فإن الموقف منها يبقى غامضاً بل ويزداد غموضاً عندما نرى أحداثا تجري هنا وهناك ونقف أمامها رغم ذلك عاجزين عن فهمها وتحليلها ومعرفة أسبابها والقبول بنتائجها، وهنا يبرز دور القوى الفاعلة في المجتمع لفك الغموض وتحليل الأحداث واتخاذ المواقف .

إن وطننا السوري يمر الآن بأوقات صعبة وخطيرة، ويقف أمام مفترق طرق يفرض عليه اختيار الطريق المناسب منها، والتي توافق تطلعاته وتلبي تقدمه على مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ويقف على رأسها، هذا الحراك الشعبي الجماهيري الرافع لقضايا مطلبية له أسبابه ومبرراته الحقيقية في رفعها، والتي يجب تلبيتها مباشرة ودون إبطاء، فمطلب الديمقراطية والحرية ليس مطلبا شكليا ولا مجردا، بل إنه مطلب ملح ويرتدي أهمية من الدرجة الممتازة، فللديمقراطية جناحان «محتويان» اقتصادي – اجتماعي، وسياسي، لا تطير إلا بهما، ويبرزان من خلال قدرتها على تلبية الحاجات كافة كحق العمل والتعلم والسكن والعيش الكريم  وحق إبداء الرأي والاعتقاد والتظاهر والإضراب وغيرها..

وهنا لا بد من تبيان وتوضيح أن مزاج الجماهير وتطلعاتها تحول واختلف اختلافاً جذرياً عما كان في  السابق، فإذا كان هذا المزاج سابقا يضحي بقضاياه المطلبية والاجتماعية لمصلحة القضية الوطنية فإنه الآن قد لا يقدم هذه التضحية لوقت طويل، بل ينظر إليها في نهاية المطاف كحزمة متلازمة مكتملة لا يمكن تجزئتها وتفضيل بعضها عن بعض، وإن التغاضي عن تحقيق هذه المطالب فيه من الخطورة ما يكفي لزلزلة وتهديد الأمن الاجتماعي وأركان الدولة والنظام، والحلول الجزئية أو الأمنية مهما كانت ضرورية أحياناً، فإن الشعب لن يجد فيها حلاً لقضاياه ومطالبه الأساسية وخصوصاً في مواجهة المخططات المشبوهة والمرسومة لهذا البلد الممانع من قبل العدو الخارجي المتمثل بالتحالف الصهيوأمريكي الغاشم والمستمر.

إن إجبار الناس على القبول بالواقع المزري التي تعيشه، ، أصبح أمرا بعيد التحقيق الآن بل ومستحيلا، وإن صم الآذان على مطالب الجماهير المحقة والعادلة لم يعد أمرا مقبولا، لذلك فإن الإصلاحات المطلوبة  ولو تمت تحت ضغط الجماهير وحراكها الاجتماعي لن يضعف النظام بل يقويه.

إن القوى التي ركبت أو تحاول موج الحراك الجماهيري، هي من يساوم على الوطن، وإن اضطرت تضعه على طبق من ذهب للعدو الخارجي..

إن الحفاظ على كرامة الوطن والمواطن شرط للحفاظ على وطن قادر على أن يحافظ على كرامة شعبه وكرامة مواطنه، وهذا ما يريده الشعب تحديداً، فالبلاد اليوم تحتاج إلى ما يشبه الصدمة الكهربائية، فعندما يتوقف قلب المريض عن الخفقان أو يكاد تعيده الصدمة للعمل ثانية، وترجمة ذلك على الأرض تتمثل بإجراء إصلاحات جذرية تحسن الواقع المعاشي وتطلق الحريات السياسية على التوازي، وهذا مطلب جماهيري له طابع الإجماع وهذا التغيير يقتضي:    

- تفعيل الدستور عبر إنهاء حالة الطوارئ، والتوقف عن تقييد الحريات العامة وعن القيام بالاعتقالات إلا بأمر قضائي على أساس ما حدده الدستور حيث لا جريمة بدون نص، واعتماد مبدأ الفصل بين السلطات ومبدأ سيادة القانون وتساوي الناس أمامه حكاما كانوا أم محكومين ،وإقرار قانون جديد للانتخابات تكون فيه سورية دائرة واحدة وتجري الانتخابات فيها باعتماد مبدأ النسبية، واعتماد حرية القضاء ونزاهته وتمكينه من حل النزاعات وإحقاق الحق وإقامة العدل بدون تدخل السلطة التنفيذية في تحديد قراراته وأحكامه الصادرة عنه.

- تفعيل الحياة السياسية عبر إقرار قانون للأحزاب وآخر للصحافة والإعلام والمطبوعات ،وإعادة ضخ الدم في شرايينها..

-القطع الفوري مع السياسات الليبرالية، والتي أثبتت الوقائع فشلها، ووضع سياسة مغايرة جديدة يجب أن تعتمد الانطلاق من الضرورات وحشد كل الإمكانيات لتنفيذها وهي متاحة، عبر إلزام القطاع الخاص بدفع ما يتوجب عليه من الضرائب ومنعه من متابعة التهرب الضريبي التي يقوم بها، وتحسين الإنتاج بشقيه الزراعي والصناعي عبر تحفيز الاستهلاك وتحفيز الاستثمار في المجالات الإنتاجية وليس الريعية، من أجل إجراء تخفيضات جدية في حجم البطالة الهائل والحفاظ على «القطاع العام» ووقف خصخصته  وتطهيره من الفاسدين، والحفاظ على ملكية الدولة واحتكارها للبنية التحتية ومنع القطاع الخاص من الدخول إليها والعبث بها، عبر تأميم كل المجالات التي دخل في استثماراته بها وخصوصا قطاع الاتصالات الخليوية وشركة التوكيلات الملاحية  والمدارس والجامعات الخاصة، وتلبية مطالب الجماهير بتخفيض الأسعار وخصوصا المحروقات والكهرباء ومدخلات الإنتاج والأسمدة والأدوية الزراعية والأعلاف والحد من الغلاء وارتفاع الأسعار ولجم التضخم والتوزيع العادل للدخل الوطني وردم الهوة بين الأجور والإرباح وربط الأجور بالأسعار و الحفاظ على حقوق العمال والفلاحين وذوي الدخل المحدود في العمل والسكن والتعلم والطبابة وإعادة الدور الاجتماعي للدولة عبر إعادة سياسة الدعم وتحسين الواقع التعليمي والصحي والحفاظ على مجانية التعليم والطبابة والتي كانت تتميز بها سورية، وذلك  مما يؤدي إلى تحسين الواقع المعاشي للشعب السوري كله.

إن تحقيق هذه المطالب وهي مطالب محقة وليست تعجيزية وممكنة وليست خيالية وواقعية وليست وهمية، لن يؤدي إلا إلى تقوية الموقف الوطني السوري وإعادة اللحمة الوطنية إلى أوجها، وستفتح الباب الواسع للوقوف في وجه المخططات الصهيو أمريكية المرسومة لهذا البلد، وإفشالها والتحول من الدفاع إلى الهجوم من أجل حل مشكلة الشرق الأوسط والصراع العربي الصهيوني لصالح العرب عبر إقامة الدولة الوطنية الفلسطينية وعودة اللاجئين وتحرير كل الأراضي العربية المحتلة بما فيها الجولان  الأبي.