الحسكة: تجارب «زراعية» واعدة تجري بهدوء
يثير منظر البساط الأخضر الذي يغطي أراضي محافظة الحسكة الشاسعة هذه الأيام بعض التساؤلات عن الزراعة في المحافظة التي تعد خزان سورية الرئيسي للقمح والشعير، وبالتالي مصدر الخبز الأول في البلاد.
غالبية الأراضي المزروعة في المحافظة هي لمحاصيل القمح والشعير والعدس في الشتاء، والقطن في الصيف، ويبرز أول تلك التساؤلات، عن الثقافة الزراعية التي حصرت الإنتاج في أنواع محددة من الزراعات، وهل تستند هذه الثقافة لأبحاث علمية؟
تساؤلات وتجارب
وماذا حققت المحافظة طوال عشرات السنين من زراعة المحاصيل نفسها، وهل تكوّنت تجارب أسهمت في زيادة الإنتاج، أم بقي المطر والجو المناسب هما اللاعبين الرئيسيين في نوع وكم الإنتاج.
وتزداد أهمية وجود أجوبة فعّالة لتلك التساؤلات، مع بعض التجارب الزراعية الواعدة التي تجري بهدوء بعيداً عن أعين وسائل الإعلام المشغولة بتغطية الحرب في البلاد، وبعيداً عن دعم وزارة الزراعة ومؤسساتها التي تبنت أنواعاً محددة من المحاصيل.
تنوّع مناخي..
«محمد» شاب في مقتبل العمر، له تجاربه الخاصة في زراعة أنواع جديدة من المنتجات الزراعية مثل البطاطا والبندورة والثوم والزيتون وغيرها، ويتساءل هو أيضاً، «لماذا يبدأ من الصفر؟ وأين هي الأبحاث الرسمية التي تؤكد أن أراضي محافظة الحسكة لا تصلح لزراعة محاصيل غير القمح والشعير والعدس والقطن؟».
يقول الشاب الذي يعمل على تجارب زراعية في إحدى المزارع القريبة من مدينة القامشلي، «إن عشر سنوات قد تكون كافية لبروز معطيات جديدة عما تستطيع أراضي محافظة الحسكة تقديمه من إنتاج»، ويطرح بثقة سؤالاً آخر عن «وجود أكثر من مناخ في المحافظة الواسعة، بدءاً من الحار الجاف في الجنوب وحتى البارد الرطب في الشمال».
المحافظة ستنتج يوماً ما يكفي سورية
كما يتحدث عن أنواع التربة المتنوعة في مناطق المحافظة، وهو تنوع كفيل بوجود مختلف الزراعات من الخضار والأشجار المثمرة بالإضافة للزراعات المتعارف عليها من المحاصيل الاستراتيجية التي يتقدمها القمح.
«محمد» غير المختص في الزراعة علمياً يعتمد على الصبر في زراعاته التي تأخذ كل دورة فيها أشهراً طويلة، لكنه لم يمل حتى الآن طالما أنه وصل لرأس «ثوم» يزن أكثر من نصف كيلو غرام حالياً ويعمل على جمع البذار بعد كل موسم للبدء بالإنتاج الكبير والبيع.
ليس «الثوم» وحده ما ينتظر «محمد»، فالبطاطا أيضاً أحد مشروعاته التي يعمل عليها، كما أشار لتجارب ناجحة يجريها فلاحون آخرون على زراعة البندورة، و«النتائج تبشر بالخير» كما يقول، وهو متأكد من أن المحافظة ستنتج يوماً ما يكفي سورية من الخضار والزيتون إلى جانب خبز البلاد.
الأزمة والعودة إلى الزراعة
ساهمت أزمة الجفاف التي عاشتها المحافظة في السنوات الأخيرة، وغياب الدعم الحكومي للفلاحين، والتهميش الذي عانوا منه، في هجرة كثير منهم نحو محافظة درعا وريف دمشق للعمل في الزراعة هناك، حيث كونوا خبرة لا بأس بها في زراعة محاصيل الخضار والأشجار المثمرة التي يفتقدونها.
وعندما أجبرتهم الأزمة التي تعيشها البلاد منذ أكثر من ثلاث سنوات، على العودة لقراهم وأراضيهم، بدأوا باستثمار تلك الخبرة، وإدخال زراعات جديدة قد تغيّر المفاهيم التقليدية المتعارف عليها، وإن كانت ستحتاج بعض الوقت ما لم يتم تبنيها ودعمها بشكل رسمي.
خلال جولة بسيطة على بعض أرياف مدينة القامشلي، يمكن مشاهدة كم كبير من البيوت البلاستيكية الغريبة على فلاحي المنطقة، إنها بدايات التجارب، وفي سوق «الهال» تقف سيارات قادمة من ريف المحافظة وليس من محافظات أخرى كما هي العادة، إنها تحمل بطاطا وبندورة وأنواعاً أخرى من الخضار المنتجة محلياً.