ليس بالخبز وحده تحيا الشعوب
إن ما يحصل في مدينة منبج في الفترة التي يتم توزيع المواد التموينية (رز، سكر) والمسماة (بالمدعومة) بالبطاقات التموينية، أمر غريب وعجيب. إذ يعاني المواطنون في منبج الأمرين والمصاعب الكبيرة للحصول على استحقاقهم من المواد التموينية التي يتم توزيعها كل ثلاثة أشهر مرة واحدة فقط، وكل ثلاثة أشهر على المواطنين في منبج ان يهدروا وقتهم يوماً كاملاً أو أكثر ليصطفوا على مايسمى (دور) للحصول على استحقاقهم من المواد التموينية..
هذا إن حالفهم الحظ واستطاعوا الحصول على المادة من أول يوم، فغالباً مايصطف المواطنون ساعات طويلة كل في دوره وبعد طول انتظار يخرج المسؤول عن التوزيع ليقول للجموع المصطفة في وبكل بساطه (ماضل سكر)؟!.. كلمتان فقط تُطيحان بآمال المواطن الذي كان يتمنى ان يستلم مواده التموينية وينتهي من هذه الصعاب ويعود إلى منزله عودة الأبطال!.
إذاً، تذهب آماله في مهب الرياح، ليعود في اليوم الثاني والثالث ليحاول مرة ثانية وثالثة ويصطف مع الحشود والطوابير البشرية للحصول على استحقاقه من المواد التموينية إن استطاع ذلك، وكالعادة السيناريو نفسه طوابير من البشر نساء ورجالاً شيباً وشباباً، يخرج المسؤول عن التوزيع وينوه الحشود البشرية المتجمهرة أمام المؤسسة التموينية ويتفوه بكلام معسول وجميل قائلاً لهذه الحشود البشرية (صفوا على الدور ياجماعة واللي ما بصف على الدور مابعطيه)، وما أن يدير ظهره عائداً إلى مكان توزيعه حتى تبدأ المحسوبيات والواسطة، فالمواطن الفقير الذي يصطف ساعات طويلة في دوره ينظر بحسرة وألم للشخص الذي ترجل من سيارته الفاخرة، وما أن يرمي السلام على المسؤول عن التوزيع وبلمح البصر يحصل على مواده التموينيه ويغادر، لتبدأ الحشود المتجمهرة بالهمس بينهم (مدعوم)!. إن مشاهدتهم لموقف كهذا يُشعر المواطنين بالمهانة والإحباط وان كان الموقف في نظر البعض صغيراً في ظاهره، إلا انه كبير في مضمونه، فغالبية المواطنين في منبج هم من الطبقة الفقيرة اضطرتهم الحاجة وغلاء الأسعار للمواد التموينية وخاصة السكر والرز وحتى البرغل ومادة المازوت، في ظل السياسات الاقتصادية الخاطئة للحكومة السابقة والمجحفة بحق المواطن الفقير، وتضطرهم ظروفهم هذه للوقوف في الطوابير متحملين حر الصيف وبرد الشتاء القارس وضياع الوقت المحسوب عليهم وعلى لقمة أطفالهم، إن السياسات الاقتصادية الخاطئة للحكومة السابقة كانت أحد الأسباب المباشرة التي أوصلت حال البلاد إلى ما هي عليه.
أسوق المثال آنفاً من مدينة منبج إلا أن الحال هذه لا تقتصر على المواد التموينية فقط وليس في مدينة منبج فحسب، إلا أنها حالة عامة أينما ذهبت وفي جميع مؤسسات الدولة، حيث يُعاني المواطن الأمرين من البيروقراطية الممنهجه والروتين القاتل في تطبيق القوانين والأنظمة.
إن الحكومة القادمة والقيادة السياسية أيضاً مُطالبة بالعمل الدؤوب لمحو العديد من التراكمات السلبية ليس على المسار الاقتصادي فقط، بل على كل المسارات. إن المسار الاقتصادي هام جداً، وواجب إصلاحه ولكن إن لم يتزامن مع إصلاحات عامة وبكل المسارات فهو إصلاح نسبي، فليس بالخبز وحده تحيا الشعوب! فعذراً منك ياحكومة ويامسؤول أعطني خبزاً أعطيك ولائي وصوتي وصمتي.
فالرجاء كل الرجاء يامسؤولين، وبكل ماتحمل الكلمة من رجاء، وبكل مايحمل المعنى من غيرة وحب للوطن (أعطونا حرية وكرامة وعدالة) نعطكم أصواتنا وأبناءنا وبكل صدق وأمانة.