تركتهم الحرب على كرسي متحرك وخذلتهم الظروف المادية
تترك الحروب والنزاعات آثارها الواضحة على الحجر والبشر، تلك الندوب قد تزول بفعل الزمن, ولكن هناك آثاراً تقلب حياة الأشخاص رأساً على عقب وخاصة تلك التي تجعلنا عاجزين عن القيام بأبسط الأمور اليومية, فلا يعود بمقدورنا أن نمسح وجوهنا بأيدينا أو نحتضن من نحب أو نسير مع أصدقائنا وأبنائنا في الدروب العادية. هو الضعف والعجز أمام أمر أصبح واقعاً يومياً. فهل يتسرب الأمل إلى الأرواح لتعود إلى الحياة من جديد؟ ....
يرفض وحيد مساعدة والدته في انتقاله من سريره إلى كرسيه المتحرك، يقول إنه تأقلم مع وضعه الجديد الذي تسببت به شظايا قنبلة، وبترت ساقاه على أثر الإصابة ساقيه، يقول وحيد البالغ من العمر 26 سنة أصبت منذ سنة تقريبا، والبداية كانت صعبة فأنت بين ليلة وضحاها تجد نفسك بلا قدمين عاجزاً عن القيام بأبسط الأمور مثل الذهاب إلى الحمام بعد أن كنت تهز الأرض من تحت قدميك، يتابع وحيد بعد العملية الأولى خضعت لعدد من العمليات واليوم أتلقى علاجاً فيزيائياً وتمارين لتهيئة الساقين لتركيب طرف صناعي، لكن هذا كله لا يجعلني أنسى أني بت عاجزاً وأصبحت عبئاً على عائلتي بعد أن كنت معيلاً ومساعداً لهم، ويضيف وحيد أبحث اليوم عن تمويل بسيط لأفتح دكاناً أو أ ي مشروع بسيط كي أتمكن من تأمين مصروفي وجزء من تكاليف العلاج المرتفعة ولكن مع الأسف لم أجد بعد أي جهة تمول مشروعي هذا، فالشؤون الاجتماعية تعطي قرضاً بسيطاً جدا لا يتعدى 50000 ليرة سورية وهذا المبلغ لا يؤمن شيئاً .
تقول والدة وحيد لقاسيون: عانينا من أيام وليال صعبة كان يمضيها وحيد بالبكاء وقد أصبح منعزلاً عن المحيط وأمضى ثلاثة أشهر لا يستقبل فيها أحداً ودخل حالة اكتئاب حاول خلالها الانتحار ودائما يردد لو أني استشهدت كنت ارتحت وأنتم لن تتحملوا عبء وجودي وأنا مقعد وتتابع والدة وحيد عندما أدرك وضعه حاول التأقلم لكنه ظل رافضاً لأي مساعدة منا ونحن مع الأسف لم نجد التعامل الجيد الذي وعدنا به من الجهات المختصة من ناحية تغطية تكاليف العلاج أو الدور في تركيب الأطراف الصناعية حيث نقابل دائما بانتظار الدور وأن هناك آخرين غير ابننا يعانون من الوضع نفسه ونحن صرفنا مدخراتنا على علاج ابننا ولا نملك مالاً لعلاجه خارج سورية وكل ما نملكه اليوم هو الصبر والأمل.
لم يتقبل رامز بعد أمر إصابته وبتر ساقيه ويده اليسرى من منتصفها حيث أصيب بإحدى المعارك إصابة شديدة كان يعتقد وقتها أنه بات في عداد الموتى لكنه استيقظ ليجد نفسه على سرير المشفى.
يقول رامز: استشهد شقيقي قبل إصابتي بأربعة أشهر، أنا اليوم أتمنى لو أني في عداد الموتى على أن أبقى عاجزاً أحتاج مساعدة أخي ووالدي للذهاب إلى الحمام و غسل وجهي، فأنا لم أعد استطيع الوقوف على قدمي أو الكتابة أو تناول طعامي ودون أن أسكب جزءاً كبيراً من الطعام على ثيابي.
تقول والدة رامز لقاسيون: خسر رامز حوالي عشرين كيلو غرام من وزنه فقد أقلع عن الطعام وأخذ يدخن بشراهة ولم يعد يرغب في رؤية أصدقائه أو الأقارب وبات يكتفي بمشاهدة الأخبار على التلفاز ولا يخرج من المنزل إلا عند توجهنا إلى مركز العلاج الفيزيائي، تتابع والدة رامز نحن نحاول منذ سبعة أشهر الحصول على دور لرامز لتركيب ساق بدلاً من التي فقدها لأن القدم الثانية لن نستطيع تركيب أي طرف عليها بسبب الضرر الكبير الذي لحق به لقد قصدنا كل الجهات الرسمية وغير الرسمية لكن كل ما حصلنا عليه هو الوعود فقط ونحن نتحمل جزءاً كبيراً من تكاليف علاج رامز حيث يوجد عدد من الأدوية مفقودة لذلك نضطر أن نحضرها من لبنان أو الأردن وكثيرا من الأحيان تكون تكلفة إحضار المعالج الفيزيائي إلى المنزل أقل من تكلفة التوجه إلى المركز حيث نحتاج أن نستأجر سيارة كاملة لنقل رامز إضافة إلى أمور أخرى.
وتتابع نحن نحاول الحصول على ترخيص لبيع التبغ كي نشغل رامز ونخرجه من عزلته كما أننا نؤمن دخل يساعدنا على مصروف رامز الذي صار كبيراً كما أننا نحلم أن نسافر مع رامز إلى ألمانيا لتركيب يد له أو ساق بدلاً من التي فقدها. خفت لمعان عيني جمال لكن ضحكته لم تغب عن وجهه الطفولي، وضع له أهله كرسيه المتحرك أمام عتبة باب منزلهم ليشاهد رفاقه وهم يعلبون بالكرة، فقد جمال قدمه ويده اليمنى أثر انفجار وقع في الحي الذي يقطنه، وقد عانى مع أهله من أجل العلاج ، يقول جمال : لم أذهب إلى المدرسة منذ العام الماضي وقرر أهلي أن يعيدوا تسجيلي في المدرسة لكن البناء لم يكن مناسباً لوضعي فأنا أستخدم الكرسي المتحرك لذلك التحقت بدورة تعليمية مسائية كي أكمل تعليمي، يتابع ابن الرابعة عشر ربيعاً في البداية كنت أفضل البقاء مستلقياً على السرير ولكن بعد فترة مللت وتعبت لذلك قررت الخروج ورؤية الأصدقاء. واليوم ألعب كحكم بين اللاعبين.أتمنى أن أنام وأستيقظ وأجد يدي أو قدمي تركبت.
خدمات طبية خجولة
وقعت منظمة الهلال الأحمر العربي السوري والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين في سورية اتفاقية تعاون للعام 2014 بهدف دعم مراكز المنظمة في محافظات دمشق وحمص وحلب وطرطوس واللاذقية وتزويدها بالمعدات الطبية اللازمة.
وتنص الاتفاقية على تقديم المفوضية المساعدات الإغاثية إلى المتضررين في مختلف المناطق عبر منظمة الهلال الأحمر العربي السوري وبالتعاون مع منظمات أهلية معتمدة كما تنص الاتفاقية التي تبلغ قيمتها نحو سبعة عشر مليون دولار على دعم مركز الأطراف الصناعية في دمشق والمراكز الموجودة في محافظتي طرطوس واللاذقية. وكان قد تم في إطار الاتفاقية التي تم التوقيع عليها لتركيب الأطراف أسفل مفصل الركبة للمصابين تحت سن 20 سنة تم تقديم أطراف صناعية ل47 طفلاً بترت أطرافهم نتيجة الظروف الأمنية السائدة .
الضغط الكبير على المشفى
يؤدي الى التأجيل
ذكر مدير المشفى العسكري في طرطوس الدكتور العميد (أيمن يوسف) في تصريح صحفي: نحن نقدم ما نستطيع لخدمة المقاتلين فهو واجبنا ونقدمه بقناعة تامة، ولكن نتيجة الضغط الهائل قد يبدو بعض التأخير وأحياناً بعض الشكاوى منها معاناة المرضى في الحصول على بعض الأدوية كونها تكون غير متوفرة في السوق لذلك نضطر لاستعمال أدوية بديلة أو مشابهة، مضيفاً أنه يراجع يومياً المشفى 300 مراجع 90% منهم إصابات حربية كما تجرى يومياً من 10 إلى 15 عملية، أما فيما يخص المعالجة الفيزيائية للمصابين بيّن يوسف أن هناك قسماً للمعالجة الفيزيائية في المشفى تم تزويده من فترة قصيرة بطبيب لمتابعة المرضى الذين يحتاجون لإعادة تأهيل، مشيراً إلى وجود مراكز للمعالجة الفيزيائية المجانية في دمشق ولكن المرضى يعكفون عن الذهاب إلى دمشق ، أما في طرطوس فمراكز المعالجة الفيزيائية خاصة وليست مجانية، إلا أن هناك مشافي تقدم هذه الخدمة كمشفى الدريكيش وبانياس والباسل، منوهاً بأن المشفى بحاجة لأطباء، فهناك نقص في أطباء جراحة الأوعية والعصبية ، ما يسبب ضغطاً زائداً، ولكن التعاون مع مشفى الباسل يساعد على تجاوز ذلك حيث يتم إرسال بعض الحالات إليه .يذكر أن تكلفة تركيب الطرف الصناعي الواحد تقدر بــ 1200 دولار.