في العاصمة.. عمال النظافة غائبون!
دمشق مدينة الورد والياسمين، المدينة التي تغنى بوصفها الأدباء والشعراء، دمشق زهرة المدن ومهد الحضارات، لم تعد كذلك في هذه الأيام، فصورة شوارع دمشق لا تعكس قيمتها ومكانتها التاريخية والحضارية بالمطلق، فالنظافة العامة ثقافة غائبة والأوساخ وأكياس القمامة منتشرة في كل الاتجاهات، وأحوال النظافة في المدينة متردية فعلاً بل مزرية.
دمشق لم تعد كسابق عهدها، فقد أصبح الكثير من الشوارع والأحياء الراقية والعريقة فيها مثل (العمارة- السمانة- ركن الدين- الميدان- جرمانا) تئن تحت وطأة أكوام القمامة، حتى أصبحت الأوساخ والنفايات تصنع الديكور اليوم لمعظم أحياء المدينة وحاراتها، وبطريقة جنونية لا يمكن لشخص عاقل متحضر أن يتصورها، فلا تسمية يمكن أن تختزل واقع بعض أحياء دمشق الآن سوى أنها تشبه إلى حد كبير مقلب قمامة آخذ بالاتساع، ورغم محاولات العديدين من المواطنين للعمل على تحسين الصورة وقيام الكثير من الشباب في بعض الأحياء بتنظيفها وتحسين مظهرها باستمرار، إلا أن ذلك لا يكفي فإهمال الحكومة والبلديات واستهتارها ولامبالاتها بحال وأحوال المواطن، يبقى حجر عثرة تجهض كل هذه المبادرات الخلاقة من بعض المهتمين لتستسلم المدينة لقدرها المكتوب.
أن أكثر ما يشدك الآن ويأسر نظرك في معظم أحياء دمشق القديمة هو أكوام القمامة التي احتلت المكان وحولته إلى ما يشبه المفرغة العمومية بعد امتلاء جميع الحاويات الموجودة في تلك المناطق وعجز السكان عن حل المشكلة، وما يلاحظ مؤخراً غياب عمال النظافة تماماً عن مناطق وأحياء كاملة ولعدة أيام أو حتى أسبوع، علماً أن دمشق مدينة مزدحمة وهو ما يزيد في انتشار الأوساخ حتى تكاد تسد مداخل الأبنية والعمارات وربما تصل إلى الطريق في بعض المناطق، ومنها سوق الهال القديم الذي أصبح مكب قمامة كبيراً هذه الأيام.
من المعيب حقاً القول بأن النفايات في هذه الأيام قد أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الأماكن في الكثير من الأحياء الشعبية والفقيرة والروائح الكريهة التي تعلّ الروح والجسد وتحبس الأنفاس لا تفارقها، والأنكى أن الجرذان والفئران وحتى القطط وجدت ضالتها بها والأكثر أن البعوض و(الناموس) أصبح يغزو الأحياء والحارات ليقض مضجع النائمين.
تكفي زيارة خاطفة لـ(دف الشوك- القدم) لنكتشف هول الكارثة التي يعاني منها سكان تلك المناطق، فقد أصبحت ملاعب للحشرات الضارة، وأماكن لتجمع الزبالة والقطط والحيوانات الشاردة،كل ذلك بسبب تراجع اهتمام الدولة والمحافظة والبلديات المسؤولة بقضية النظافة.
يقول سامر وهو مواطن من جرمانا: «إن امتلاء الحاويات بين الأحياء الشعبية والسكنية يشكل الكثير من الأضرار الناجمة عن الروائح الكريهة وتواجد الحشرات والقوارض على اختلافها أدى إلى انتشار الجراثيم وتكاثرها وتلوث فظيع في البيئة، والسبب في ذلك هي تقصير البلديات والتهاون الكبير في التعامل مع موضوع النظافة في كثير من المناطق».
ويقول الشاب خالد من سكان السمانة: «إن ما يثير العجب أننا خلال الفترة الحالية نتحدث عن الإصلاح هل عجزت المحافظة عن تنظيف بعض الأحياء وقد وصلت إلى هذا الوضع المتردي من النظافة، لماذا وصل الأمر لهذا الحد؟ لماذا لا يحاسب المسؤول؟ وإلى متى سيبقى المسؤولون بعيدين عن المحاسبة؟ ومتى ستنتهي مسألة المصالح ومعادلات غض النظر عن الأخطاء التي دمرت البلد؟».
ويقول الشاب (أ-د) وهو من سكان السمانة أيضاً: «وكأن ما يحدث مقصود من الحكومة والبلديات، لقد أصبحت أكياس القمامة والنفايات منتشرة بين الأبنية السكنية والمحلات ومفارق الطرق والحارات، وقد عاثت القطط فساداً بكل الحاويات دون رادع، إن دمشق تعاني بشكل جدي من أزمة النظافة دون أدنى اهتمام من البلديات فغياب عمال التنظيفات بات أمراً ملحوظاً، وسيارات الخدمة تتنقل بين الشوارع دون اكتراث، وحاويات القمامة أصبحت متخمة بأطنان من الأوساخ».
لعل ما يحدث في شوارع دمشق وأحيائها في الوقت الحاضر مشكلة حقيقية، لكنها مازالت قابلة للحل وببساطة، إلاّ أن الاستهتار والتجاهل و(التطنيش) الرهيب المستمر من المسؤولين سيحول الموضوع إلى أمر خطير، وخطير جداً، فالنفايات قد تسبب كارثة حقيقية عما قريب نحن بغنى عنها حقاً في هذه الأيام!.