الأسلحة تفتك بالبيئة.. تحذير من أوبئة ومخاطر سريعة الانتشار

الأسلحة تفتك بالبيئة.. تحذير من أوبئة ومخاطر سريعة الانتشار

زاد استخدام السلاح بشكل مفرط في النزاع الدائر داخل سورية وبأنواعه المختلفة، من الأخطار البيئية الكارثية التي انعكست أولاً وأخيراً على صحة المواطنين أنفسهم، في ظل وجود عدة تحذيرات من احتمال انتشار أوبئة خطيرة في الكثير من المناطق في سورية

وفي هذا السياق تشير التقارير والدراسات المعنية، إلى أن ممارسات طرفي الصراع تزيد من التدهور البيئي في البلاد. وتزداد الخطورة أكثر في ظل صعوبة تقدير حجم الأضرار والأخطار المحدقة بالسلامة والصحة العامة نتيجة ضيق نطاق تحرك الجهات المعنية واستحالة الوصول إلى بعض المناطق المتضررة، عدا عن شح وسائل القياس الدقيق.

البيئة في حَرَج... وتقرير يفتقر للأرقام

حاولت وزارة البيئة السورية الوقوف على حجم الضرر البيئي الذي وقع خلال الأزمة، لكن دون جدوى، فاقتصر التقرير، الذي صدر عنها بعد معاناة كبيرة، على التوصيف بشكل عام دون ذكر أرقام محددة ونسب معينة بشكل تفصيلي. في حين وصف مراقبون الحال البيئية «بالحرجة» والتي يزداد خطورة يوماً بعد يوم نتيجة الاستخدام المفرط للسلاح بشكل كبير، عدا عن إهمال قطاعات مختلفة مثل النظافة وحرق القمامة وما إلى ذلك.

مدير السلامة الكيميائية في وزارة البيئة «أديب المصري»، قال لصحيفة «قاسيون» إنه «تم إعداد تقرير أولي عن الضرر البيئي في سورية، لكنه لم يحتو على أرقام أو حتى معطيات دقيقة، وذلك بسبب صعوبة الحصول عليها».

وبحسب حديث «المصري»، يتبين بأن التقرير الصادر عن وزارة البيئة، لم يتطرق بشكل مباشر لما خلفته الأزمة على البيئة نتيجة استخدام السلاح، حيث قال بأنه «يمكن اعتبار التقرير الأولي الذي صدر عن الوزارة، كمؤشر وتقدير للأضرار المترتبة عن حرق النفايات وعدم ترحيلها بشكل كامل وآمن».

وأضاف «المصري»، إن»التقرير الأولي تناول أيضاً، حال المعامل التي خرجت عن نطاق الرقابة ومانتج عنها من تلوث بيئي، عدا عن أثر العقوبات الاقتصادية على البلاد وخاصة في قطاع النفط وتكريره، مادفع البعض لتكريره بشكل بدائي كما حدث في المناطق الشرقية» منوهاً إلى «توقف بعض القطاعات والمشاريع الخدمية التي كانت تخدم البيئة».

سلاح كيميائي وأوبئة محتملة

وبيّن مدير السلامة الكيميائية في وزارة البيئة بأن «جمع المعلومات عن الوضع البيئي ليس ميّسراً في كل المناطق، إلا أنه وعلى الرغم من ذلك، هناك تعديات وحوادث تم إحصاؤها بشكل مباشر مثل تسرب الغازات»، وأردف بأن» االضرر الناتج عن استخدام الأسلحة الكيميائية، يتلخص في الانبعاثات الغازية الخانقة والمخرشة، والتي تسبب الالتهابات في الجسم».

وعن أكثر القطاعات البيئية تضرراً خلال الأزمة، قال «المصري» إن «العقوبات الاقتصادية أدت إلى تعطل العديد من مشاريع الصرف الصحي، في حين شهدت آبار النفط تعديات كبيرة كحرقها، عدا عن عدم القدرة على ممارسة الرقابة على جميع المعامل».

وأضاف «المصري» إن «حرق النفايات أدى إلى تلوث الهواء، واستمرار ذلك قد تؤدي إلى أمراض وأوبئة مثل اللاشمانيا وغيرها» مشيراً إلى أن «مياه الشرب مازالت تحت السيطرة رغم توقف معمل دير الزور لتوريد المواد المستخدمة في تعقيم المياه، حيث تم التعاون مع منظمات عالمية لحل المشكلة».

لجنة لقياس الضرر في عام

مؤخراً، أصدرت وزيرة الدولة لشؤون البيئة «نظيرة سركيس» القرار رقم /41/ القاضي بتشكيل لجنة فنية مركزية لإعداد دراسة لتكاليف التدهور البيئي في سورية لعام 2013 برئاسة معاون وزير الدولة لشؤون البيئة المهندس «سليمان كالو» حيث ستعمل هذه اللجنة بحسب «المصري» «وفق منهجيات عالمية لحساب التكاليف ومدة عملها عام كامل».

وتُكلف اللجنة حسب القرار، بوضع منهجية العمل ومتابعة اللجان الفنية الفرعية التي ستشكل في المحافظات لهذه الغاية والإشراف على عملها وتسهيل حصولها على البيانات اللازمة لإعداد الدراسة، وتدقيق الدراسات التي سيتم إعدادها في المحافظات من اللجان الفرعية واعتمادها، وإعداد التقرير النهائي لدراسة تكاليف التدهور البيئي في سورية، إضافة إلى إعداد وتنفيذ ورشة عمل وطنية لاعتماد التقرير النهائي للدراسة.

كما تضمن القرار، تكليف مدراء شؤون البيئة في المحافظات بإعداد مشاريع قرارات اللجان الفرعية لإعداد دراسات تكاليف التدهور البيئي في محافظاتهم بحيث تضم في عضويتها ممثلين عن كل الجهات المعنية في محافظاتهم برئاسة مدير البيئة.

وتضم اللجنة المركزية ممثلين عن وزارات البيئة والزراعة والسياحة والإدارة المحلية والصحة والموارد المائية والكهرباء والصناعة والنفط والثروة المعدنية والنقل والشؤون الاجتماعية والعمل، إضافة إلى ممثلين عن هيئة التخطيط والتعاون الدولي وهيئة الطاقة الذرية والمكتب المركزي للإحصاء.

الكائنات الحية في خطر

وفي العودة لخطورة الوضع البيئي في سورية، فقد أصدرت وزارة الدولة لشؤون البيئة في الجمهورية العربية السورية العام الماضي، بياناً بمناسبة اليوم العالمي للبيئة، شرحت فيه بعض الأخطار التي تتعرض لها البيئة السورية، حيث أفاد البيان بأن «قطع الطرقات بإحراق إطارات السيارات، واستهداف خطوط نقل النفط في مناطق متعددة (...) أدى إلى انبعاث مركبات أول أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكربون وأكاسيد الكبريت وبعض المركبات العطرية وانتقالها إلى الجو وتلويثها للهواء المحيط، وهي غازات ضارة بصحة الجهاز التنفسي لدى الإنسان إضافةً لأثرها على باقي الكائنات الحية وقد تفاقم هذا الضرر نتيجة حصول هذه الحوادث قرب مناطق تشهد كثافة سكانية».

ولم تتمكّن الوحدات الإدارية في كثير من المناطق من الوصول إلى أماكن عملها، وقيامها بترحيل النفايات الصلبة، ما أدى إلى تراكم كميات كبيرة من هذه النفايات في الشوارع وعدم القدرة على ترحليها والتخلص الآمن منها، ما اضطر السكان في بعض المناطق إلى حرقها، وهذا يؤدي إلى انبعاث ملوثات سامة ومسرطنة، إضافةً إلى تجمع الحشرات والقوارض التي تنقل السموم والأمراض المرافقة لحالة التدهور البيئي، الأمر الذي سينعكس بشكل سلبي على الصحة العامة والبيئة في هذه المناطق، بحسب التقرير.

وبيّن التقرير أن «الاعتداءات المتكررة على محطات ضخ المياه في عدد من المناطق، أدى إلى تعطل منظومة تزويد الأراضي والسكان بالمياه، إضافةً إلى تخريب بعض شبكات الري الحديث، حيث قُدرت الخسائر المادية لتلك الشبكات بحوالي مليار و600 مليون ليرة سورية».

جثث وتلوث بيولوجي

وقد تمّ رصد حالات تلوث بيولوجي للمياه ناجم عن قيام المسلحين رمي الجثث في المسطحات المائية وأقنية الصرف الصحي، في حين أدت سرقة الأسمدة بكميات كبيرة واستخدامها لتصنيع المتفجرات والعبوات الناسفة، إلى فقدان هذه المادة وعدم تمكّن المزارعين من استخدامها للزراعة، إضافةً إلى عدم تمكّنهم من الوصول إلى مزارعهم لجني المحاصيل، مما أدى إلى تدني الإنتاج الزراعي في الريف، وبالتالي انخفاض في دخل المزارعين السنوي، بحسب ماجاء في التقرير.

وجاء في التقرير أيضاً، أنه «بسبب التعدي على خطوط نقل المشتقات النفطية وانقطاع التيار الكهربائي والحاجة إلى التدفئة لجأ بعض السكان إلى قطع الأشجار الحراجية بشكل جائر، حيث قدر عدد الأشجار التي تم قطعها بحوالي 5000 – 7000 شجرة على الأقل، إضافةً إلى حرق غابات الصنوبر والسنديان والبلوط والقطلب في غابات الصنوبر بمنطقة «أبو قبيس» بمساحة تقدر بـ 60 دونم».

وفي سياق متصل بالنتائج الكارثية لممارسات طرفي الصراع المسلح وحربهم المجنونة، فقد تأثرت البيئة أيضاً في سورية خلال الأزمة بالعقوبات الاقتصادية، فعدا عن عدم استكمال تنفيذ بعض المشاريع أو توقفها، بسبب صعوبات في استيراد المواد والمعدات، أو عدم التمكّن من تحويل الأموال، زاد الوضع خطورةً نتيجة عدم السماح للخبراء الدوليين من منظماتهم بالقدوم إلى سورية، بالإضافة إلى مغادرة الخبراء الذين كانوا متواجدين فيها.

يتبيّن مما تقدم ذكره حجم الأخطار البيئية ونتائجها الكارثية المهددة لكل أشكال الحياة في سورية، ويزداد الوضع السوري خطورة مع ضيق نطاق تحرك الجهات المعنية المتخصصة، في ظل تحذيرات من احتمال انتشار أوبئة خطيرة وكارثية في الكثير من المناطق في المحافظات السورية.

آخر تعديل على الثلاثاء, 08 نيسان/أبريل 2014 22:11