هل تبقى المستنقعات المائية أهم معالم دمشق وضواحيها في الألفية الثالثة؟
بالرغم مما يحمله الشتاء من خير للأرض والإنسان ولمختلف أشكال الحياة على هذا الكوكب، إلا أن هذا الفصل تحول في مدينة دمشق طوال السنوات السابقة من نعمة إلى نقمة، تطال ساكني هذه المدينة وزوارها، ومع ذلك لا يزال مسؤولو المدينة يتحدثون عن منجزاتهم التي تم تنفيذها على الورق فقط، فيؤكدون اتخاذهم لجميع الإجراءات الضرورية لاستقبال فصل الشتاء دون خجل أو حياء، من الكوارث أو الفيضانات القادمة..
الصرف الصحي في سباتٍ!
يثبت المشهد الواقعي الشتوي لشبكة الصرف المصممة بأساليب تقليدية وبدائية، أنها عاجزة عن تحمل الضغط الهائل عليها، نتيجة التضخم السكاني والتمدد الكبير التي تشهده مدينة دمشق.
فكيف لهذه الشبكة أن تتحمل ضغط هطول كميات معقولة من الأمطار كما حدث في الشتاء المنصرم؟ فرغم تأكيد هيئة الأرصاد الجوية أن كمية الأمطار الهاطلة في العام الماضي كانت دون معدلاتها بدت شبكة الصرف الصحي عاجزة عن احتواء هذه الأمطار، فحدثت فيضانات في أكثر الأحياء.. فكيف سيكون الحال لو ازدادت كميات الأمطار في هذا العام عن معدلاتها؟.
ومع ذلك يمكن القول إن مشكلات الصرف الصحي في مدينة دمشق ليست مستعصية.. لكن ليس هناك من يريد حلها، فبمجرد أن يتم الإعلان عن مناقصة لتمديد أو صيانة شبكة الصرف الصحي يتهافت عليها عدد هائل من المتعهدين الشاملين الذين يرون في مثل هذه المناقصات فرصة لجني المال بأقل نفقات ممكنة حتى لو كان ذلك على حساب المصلحة العامة، وعندما ترسو المناقصة على أحدهم، وهم غير متخصصين عموماً، يبدأ على الفور بعمليات الحفر والتمديد دون مراعاة للدراسة والمواصفات، معتمداً شعار (احفر، ركّب، اطمر) استغلالاً للوقت، حتى يحصل على المكافأة المنصوص عليها في العقد في حال سلم المشروع قبل الموعد المتفق عليه، وهو بذلك غير معني بما إذا كانت شبكة الصرف الصحي ستقوم بأداء مهامها على أكمل وجه أم لا، خصوصاً وأن لجان الإشراف والاستلام مضمون صمتها.
وخير دليل على ذلك أغطية المجاري الدائرية والتي لا تحتوي على أي فتحات تسمح للماء بالنفاذ منها إلى داخل المجرور، إضافة إلى ارتفاع هذه الأغطية عن سطح الأرض في معظمها بمعدل /3 ـ 5/سم والتي من المفروض أن تكون دون سطح الأرض حتى تنحدر المياه والسيول إليها بسهولة ولا تتجمع حولها أو تتخطاها، وحتى لا تتشكل المستنقعات.
إضافة إلى ذلك، يتم استخدام قساطل أسطوانية الشكل بقطر /50/ سم في الشبكات الفرعية، التي تعجز عن تحمل الضغط، وسرعان ما تتعرض للانسداد..
ضواحي دمشق أكبر المتضررين
رغم المعاناة الكبيرة التي تعاني منها مدينة دمشق في فصل الشتاء، من غرق الساحات والشوارع والأزقة والأنفاق، إلا أنها لا تشكل شيئاً أمام ما يعانيه سكان الضواحي المحيطة بالعاصمة، حيث يصل إهمال المسؤولين الخدميين لذروته، تاركين هذه الضواحي تعاني ضعفاً شديداً في شبكات الصرف الصحي، خصوصاً وأنها منفذة أساساً بشكل سيئ، إلى درجة باتت فيها أغطية المجاري للزينة فقط لأن معظمها غير صالح للاستخدام بسبب تراكم الأوساخ والرمال فيها حتى فوهاتها كونها لا تجد من يقوم بتنظيفها أو فحصها للوقوف على مدى صلاحيتها إلا بعد تفاقم المشكلة.. وبعد شكاوى الأهالي للمجالس البلدية التابعة لها..
وهذه هي الحال في مخيم الوافدين على سبيل المثال وهي أول ما يصادفه زائر المدينة القادم من الشمال أو من الشرق.. فلهذه المنطقة ثلاثة مداخل، وكلها تصبح مليئة بالمستنقعات المائية والطينية الضخمة التي يزيد قطرها عن الخمسة عشر متراً بارتفاع /50/سم مع سقوط الأمطار، مما يعيق حركة المرور إلى داخل المخيم والخروج منه نتيجة انسداد معظم فوهات شبكة الصرف الصحي فيها.
كماأن الوضع داخل المخيم ليس بأحسن، فإضافة إلى ضعف شبكة الصرف الصحي تعاني الشوارع من الحفر نتيجة أخطاء في التعبيد أو جراء أعمال الحفريات وعدم تعبيدها مباشرة مع الانتهاء منها، مما يجعل شوارعها غير صالحة للاستعمال بسبب انتشار المستنقعات الطينية والسيول المليئة بالأوساخ عند هطول الأمطار.
حيث يؤكد أحد أهالي هذه المنطقة على أن شبكة الصرف الصحي في هذه المنطقة غير قادرة على تحمل ضغط الحياة اليومية في الأحوال العادية، حتى تستوعب كميات من الأمطار الهاطلة علماً أن هذه المنطقة تعتبر صغيرة مقارنة بمدينة دمشق.. فمشهد فيضان المجاري بات أمراً عادياً ومألوفاً للأهالي في معظم أوقات السنة إلى درجة قد يمتد فيضان المجاري إلى داخل المنازل.
شهادات
يقول أحد أهالي هذه المنطقة (ع.خ): «إننا نضطر لارتداء أكياس بلاستيكية فوق أحذيتنا في فصل الشتاء حتى نستطيع عبور الشوارع إلى موقف المكروباص بسبب وضع شوارعنا المزري، والتي تعتبر معبدة بالاسم ومزودة بشبكة صرف صحية منتهية الصلاحية».
ويسأل مواطن آخر (س.ا) عن سبب تجاهل المسؤولين لمعاناة المخيم ومعظم المناطق المجاورة له كمنطقة دوما وحرستا وغيرها.. التي تعاني الكثير في فصل الشتاء، مما يؤكد أن هذه المشكلة ليست حكراً على مدينة دمشق وحدها، بل هي مشكلة عامة تعاني منها معظم المدن والأرياف في بلدنا.
الحلول كثيرة ولكن لا حياة لمن تنادي
إن مشكلات الصرف الصحي لا تعتبر من المشكلات المعقدة التي لا حل لها، بل إن الحل سهل، وهو متوفر بيد المسؤولين بمجرد الاهتمام والالتزام بالقواعد والمعايير الفنية والعملية عند تنفيذ أي مشروع، ومحاسبة كل متعهد لا يحترم عمله ولا يلتزم بتنفيذه وفق المعايير الفنية، ومساءلة كل من يتواطئ مع هؤلاء المتعهدين في الجهات الرسمية من مهندسين ومشرفين على تنفيذ مشاريع الصرف الصحي غير المطابقة للمواصفات الفنية.
كما أنه من الممكن استغلال الكميات الهائلة من الأمطار وتخزينها في خزانات اصطناعية تحت الأرض عبر ربط معظم مناطق المدينة بشبكة صرف صحي خاصة لتجميع مياه الأمطار مستقلة عن شبكات الصرف الصحي الخاصة بالاستخدام البشري، حتى يمكن تجميع مياه الأمطار دون أن تختلط بمياه الصرف الصحي لئلا تصبح غير صالحة للاستخدام، فلا يمكن تكريرها والاستفادة منها.
بهذه الطريقة يمكن الاستفادة من مياه الأمطار بشكل فعال وتخزينها للاستفادة منها في فصل الصيف، لتقليل الضغط على الموارد المائية الطبيعية المهددة بالجفاف، خصوصاً أن بلدنا من البلدان التي بدأت تعاني من مشكلة التصحر والجفاف.
وأخيراً، هل فكر أحد مسؤولينا يوماً بالسير ولو مرة واحدة في شوارع المدينة بعد هطول المطر دون سيارته المكيفة، ليعاني، ويعاين بنفسه وضع شوارع وشبكات الصرف الصحي والاطلاع على التجاوزات المرتكبة في التنفيذ والصيانة؟ وهل جربوا السير في الشوارع برفقة السيول والمستنقعات؟.
متى ستحصل معظم شوارع البلد على اهتمام مماثل لما تحظى به الشوارع التي تقوم على جوانبها قصور المسؤولين؟؟.