مطبات تطلعات ليست من قش
لم تعد تصفعنا الدراسات التي توصِّف حالتنا على الأرض، سواء تلك التي تمتدح أداء مؤسساتنا، أو تنتقد عملها، وفي الوقت نفسه تمطرنا المؤسسات المحلية والعربية والدولية بسيل من تقاريرها عن البطالة والفقر وعمل الشباب، وعمالة الأطفال، وواقع المرأة، والتمييز الواقع عليها قانونياً واجتماعياً... إلى ما غير ذلك من قضايا المجتمع والجيل والاقتصاد.
ليس مهماً إلى أي حد تستفيد المؤسسات المنتقَدَة لتحسن أدائها وأدواتها، فهي بالضرورة ستدافع عن واقعها، وستعتبر أن هذه التقارير كيدية، ولا تمت إلى الواقع بصلة، وبالتالي ستقوم بفرض نتائج دورتها المالية السنوية، ونجاحاتها وإنجازاتها، فالمسألة ليست بين أخذ ورد، ومن يملك الحقيقة؟ فالحقيقة يملكها المعاش فقط.
في الوقت نفسه لا يمكن تجاوز(على الأقل) الدراسات والتقارير الوطنية على اعتبار أنها لن تصف زيتنا بالعكر بالمجان، ولن تبخس (زيواننا) حقه، وحتى لا نقع فريسة ما يأتي عبر الفضاء الإعلامي الواسع، من المؤكد أننا سنلجأ إلى هوائنا ولو كان مثقلاً بالمجاملات، ولكنه بالضرورة لن يخلو من الحقيقة.
تقول الدراسة التي نشرتها الهيئة السورية لشؤون الأسرة في إطار مشروع دعم الإستراتيجية الوطنية للشباب في سورية جملة من المؤشرات حول (التمكين الاقتصادي للشباب في سورية) والتي اعتمدت (كما يقول صنّاعها) الدراسة التحليلية المعمقة على نتائج المسح الميداني الكمي والكيفي عام 2007، حيث قامت الهيئة السورية لشؤون الأسرة بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان بإجراء هذه الدراسة للتعرف على أوضاع الشباب الاقتصادية، وأثرها في استقرارهم المعيشي والأسري والاجتماعي، ومعرفة مدى تمكينهم الاقتصادي على حالتهم التعليمية والصحية، ومدى مساهمتهم في الحياة العامة.
أما النتائج التي تم استخلاصها من الدراسة التي تحمل هذه المواصفات عالية الجودة، أن أهم المشكلات الاقتصادية التي يعاني منها الشباب هي عدم كفاية دخل الأسرة بنسبة تتراوح بين 21.4% لفئة العمر من 15 ـ 18 سنة، و33.4% لفئة العمر من 19 ـ 24 سنة، وتعد هذه النسبة الأعلى بين الشباب العاملين.
أما في الأسباب التي أوصلت الباحثين إلى هذه النتائج المنطقية فيعود إلى توسط وانخفاض المستوى المعيشي لأسر الشباب التي رافقها انخفاض دخل الشباب العاملين، حيث ظهرت هذه النتائج بين الذكور بشكل أوضح منها عند الإناث في جميع المحافظات. ومن المشكلات التي أتت عليها الدراسة في سردها لواقع الشباب الاقتصادي ضيق المسكن كمشكلة اقتصادية في المرتبة الثانية، ومشكلة ارتفاع عدد أفراد الأسرة.
لكن الأهم الذي جاء في نتائج هذه الدراسة كمؤشر على تطلعات الشباب هو رغبة نسبة ليست بالعادية بالهجرة كأحد الحلول، وكأبرز التطلعات. فقد بلغت نسبة الشباب الراغبين بالهجرة ممن شملهم البحث 34.3% مقابل 65.7% لا يفكرون بالهجرة، وتزداد نسبة الذكور الراغبين بالهجرة مقابل الإناث 26.12% للذكور مقابل 8.15 للإناث، وانخفاض النسبة لدى الإناث لا يعود لانعدام التطلعات بل إلى عوائق اجتماعية مثل العادات والتقاليد.
أما لماذا الهجرة؟ فيأتي البحث عن فرصة عمل في أهم أسباب الرغبة بالسفر، ومن ثم يأتي التحصيل الدراسي، والإحساس بالعجز عن تحقيق الطموحات العلمية أو المهنية، وهذا ما يدل، كما تقول الدراسة، (على تراجع الرغبة بالتحصيل العلمي وتنمية القدرات الذاتية).
الدراسة تقول أمراً واضحاً يصب في دور الحكومة ووزاراتها المختصة في السعي لتأمين فرص عمل حقيقية لآلاف الشباب الذين يحملون الشهادات والطموح، ولكنهم لا يجدون سوق عمل، سوق عمل مفتوح فقط لأصحاب المهن المتواضعة والشهادات الدنيا، وللسماسرة و(تجار الشنطة)، والباحثين عن أنصاف فرص، وأعمال هامشية.
السادة في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، والقائمون عل ملفات التشغيل فيها، وورثة مكاتب العمل، اقرؤوا.... هذه الدراسة برسمكم؟