الفساد والمحاصصة مستمران.. إغلاق معمل الألبان وإقامة معمل لا سوق لمنتجاته!
كانت شركة الشرق للمنتجات الغذائية في حلب وحتى أوائل العام 2000 مجمعاً صناعياً هاماً تضم ثلاثة معامل «البيرة، البسكويت والشوكولا، الألبان» عبر تاريخها وهي صورة مشرقة عن القطاع العام في جودة إنتاجه وفي أرباحه وفي الدور الاجتماعي.
أنشئت هذه الشركة عام 1974 وتنتج البسكويت بأصناف عديدة وينتج معمل الألبان جميع منتجات الحليب بالإضافة إلى الشوكولا ومعمل البيرة عرف بيرة الشرق المميزة.
كيف كانت؟
قبل سنوات عديدة وقبل انفتاح الأسواق والتعددية والشركات، كانت الشركة مميزة بإنتاجها بشكل عام، سلع نظيفة بأسعار محدودة وكانت رابحة. بعد الانفتاح تركت الشركة لمصيرها تصارع وحدها في ميدان امتلأ بالفرسان؛ فرسان قانون الاستثمار، وفرسان الاستيراد.. وبدأ وهج الشركة ينطفئ وسط صمت الجهات الوصائية على واقع الشركة.
مع الانفتاح
مع بداية الانفتاح قال مدير الشركة آنذاك: الشركة رابحة رغم كل ظروف المنافسة ورغم الروتين والبطء في اتخاذ القرارات والصعوبات العديدة التي تواجهها. وتستطيع الشركة المنافسة مع سلع القطاع الخاص ومع السلع المستوردة لو منحت حرية التحرك واتخاذ القرار. وقال المدير نحن نحكم بقوانين وأنظمة تشل عملنا من ناحية تأمين مستلزمات الإنتاج عن طريق المناقصات وعروض الأسعار وهذا ما يرتب علينا مبالغ إضافية. إضافة إلى هدر الوقت.. ونأمل أن نعامل كالقطاع الخاص من ناحية المرونة في الصلاحيات وفي تأمين المواد الأولية وفي التسويق وفي الإعلان وفي حضور المعارض من أجل التسويق للإنتاج ومن ثم نحاسب على النتائج. هذا ما قاله لي المهندس أوريا الحاج أحمد مدير عام الشركة آنذاك.
الإنتاج الجيد
كل إنتاج الشركة كان متميزاً ومطلوباً بالسوق؛ وخاصةً البيرة المميزة والتي تباع بالكامل؛ البسكويت والشوكولا رغم المزاحمة مع القطاع الخاص والمستورد كان إنتاجهما يباع كان متميزاً.. وكان معمل البسكويت بحاجة إلى مستلزمات بسيطة ليجاري المستورد وهي آلة تغليف.. الآن نتساءل: كم كان ثمن هذه الآلة؟!
معمل الألبان تميز بإنتاجه وعانى من مشكلة فرق السعر بينه وبين مؤسسة الأبقار، وكان إنتاجه يباع عن طريق المؤسسات وبعض الوكلاء ولعمال القطاع العام، ولم يكن بحاجة إلا لمستلزمات بسيطة لاستمراره.
إصلاح أم تخريب
لم تفكر الوزارة أو مؤسسة الصناعات بدعم هذا المجتمع الغذائي وتوسيع عمله وإنتاجه وتطويره بل تركت معامله للأقدار، وأغلق في البداية معمل البسكويت والشوكولا لأن القطاع الخاص بدأ في الإنتاج فـ(عليهم تشجيعه!)، ومن ثم بدأ التجار في استيراد كافة أنواع البسكويت والشوكولا (أيضاً عليهم تشجيعهم!). وبعد ذلك أغلق معمل الألبان.
بدأ الإصلاح
نعم أغلق معمل البسكويت والشوكولا وأغلق معمل الألبان وبدأ إصلاح بعرف الوزارة ومؤسسة الصناعات الغذائية فاستوردت معملاً لإنتاج البيرة بلا كحول بمئات الملايين من الليرات السورية وهو الآن خاو على عروشه بلا عمل لأن إنتاجه لا يباع في السوق السورية.. نعم، صفقة بمئات الملايين في استيراد معمل لا يباع إنتاجه!.
السؤال: كيف تؤمن الجهات الوصائية مئات الملايين لاستيراد هذا المعمل، وتقف عاجزة عن تطوير معامل الشركة، بل وتتخذ قراراً بإغلاق معملي البسكويت والألبان؟
أسئلة محيرة
فعلاً هي أسئلة محيرة. نسأل السيد إبراهيم عبيدو رئيس الاتحاد المهني لعمال المواد الغذائية حول هذه الوقائع يقول: شركة الشرق للمنتجات الغذائية هي إحدى شركات المؤسسة العامة للصناعات الغذائية، نعم، ثم إغلاق معملي البسكويت والألبان بسبب الخسارة وذلك بقرارات من وزارة الصناعة أو بدلاً من أن تعالج الوزارة الأسباب التي أوصلت شركتي البسكويت والألبان إلى ما وصلت إليه من خسائر، فاتبعت أقصر الطرق وهو الإغلاق.
وبالنسبة لمعمل الألبان علينا أن نقارن بينه وبين ألبان حمص كان معمل ألبان حمص خاسراً ولسنوات عديدة وعندما تغيرت الإدارة أصبح رابحاً، ونقول بصراحة إن إدارة معلم ألبان دمشق هي التي أوصلت المعمل إلى الخسارة دون أن تتم محاسبتها.
محاصصة وفساد
كيف يربح هذا المعمل ويخسر الآخر؟ القضية ليست معجزة، المحاصصة والفساد من الإدارات معامل الألبان تجري مناقصات لاستجرار الحليب وتشترك المؤسسة العامة للأبقار في هذه المناقصات مع القطاع الخاص، معمل يستجر من مؤسسة الأبقار وهو حليب غير مغشوش، ومعمل آخر يستجر من القطاع الخاص، وأسعار الحليب مجزية بسعر السوق ودون دعم.
وهنا أصبحت القضية واضحة تماماً: معمل ألبان حمص كان خاسراً على مدى أكثر من 15 عاماً عزل المدير وعين آخر ومباشرة انتقل المعمل إلى الربح.
يقترح رئيس الاتحاد المهني تكليف مدير عام ألبان حمص بإدارة المعامل الخاسرة وتحديداً معمل دمشق ويقول بأنه على ثقة بنقل المعمل إلى الربح والاقتراح لوقف السمسرة والفساد دمج معامل الألبان مع مؤسسة الأبقار ولكن يبدو أن هذا الاقتراح صعب التنفيذ حتى الآن.