لا يموت حق : ثنائية العدل
لا يمكن أن يتجاهل عاقل دور السلطة القضائية في تحقيق ثلاثية: العدالة والاستقرار والتقدم. ومن أهم مؤشرات الدولة الفاشلة هو «غياب نظام عادل ونزيه للتقاضي». كما إن من أهم مؤشرات ترتيب الدول على مقياس التنافسية الاستثمارية هو وجود نظام قضائي فعّال يضمن للمتنازعين حقوقهم
السلطة القضائية لا تملك جيشاً أو شرطة، وهي من حيث عدد القضاة مقارنة بالسلطتين الأخريين، هي الأقل عدداً ولكنها تملك ما هو أقوى من ذلك: تملك احترام الناس لها وتطلّع الضعفاء لأن تنتصر لهم وسعي الخصوم لأن تفصل بينهم جهة تتمتع بالحيادية والنزاهة والتجرد .لقد كان جزء من نضال الأجداد ثم الآباء هو تحقيق حلم «حرية واستقلال القضاء» ولكن السؤال:
هل استقلال القضاء وحريته يعني استقلال بعض القضاة عن القانون وحرية بعض القضاة في تحدي العدل؟
أنا مع القانون ضد الفوضى، ومع القضاء ضد الظلم. ولكن ماذا لو أدت بعض القوانين بظلمها للفوضى، وماذا لو أدى بعض القضاة بسوء تقديرهم للظلم؟ هذا هو السؤال الذي ينبغي أن يجيب عنه شيوخ القضاء الأجلاء حتى لا نخسر كل شيء.
أعلم أن درجات التقاضي متعددة، ومن الممكن تصحيح الخطأ في الدرجات الأعلى، ولكن الوضع محتقن والرأي العام متحفز وقلق ومتوتر بما يكفي لأن نقدّر أن علينا أن نكون أكثر التزاماً بالعدالة من ناحية وحرصاً على مراعاة مقتضيات الحال من أي وقت آخر.
الدولة تتمثل في مؤسساتها ولا نريد أن يفقد الناس الثقة فيها بسبب سلوك بعض القائمين على بعض المؤسسات. أؤكد أن هذا ليس وقت تحقيق مكاسب، وإنما هو وقت إدارة الخسائر وإصلاح المؤسسات في الوقت نفسه عبر إعادة ثقة الناس في أنفسهم ومؤسساتهم. وليس بأن ندع بعض المنتمين لبعض المؤسسات بأن يخرج منها ما يسيء إلى فكرة وجودها ومبرر بقائها. حين قالوا لشارل ديغول بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية: «إن الألمان دمروا كل شيء في فرنسا» فكان رده: «ما دامت فرنسا لا يزال فيها قضاء وجامعات سنعيد بناء الدولة».
يا أهل القانون والقضاء.. كي ننتقل إلى دولة القانون والقضاء، لا بد أن يؤدي الاثنان للعدل. العدل فوق القانون، والقانون خادم له. العدالة فوق القضاة، والقضاة أدواتها. وبغير هذا سنخسر كل شيء.