التخطيط أمر.. والهدف منه أمر آخر حتى الطمر بالذهب لا يكفي لـ«قبر» الفقر!
ربما استغرب البعض الإعلان مؤخراً عن تأجيل تحقيق أهداف مشروع تمكين المرأة والحد من الفقر خمس سنوات إضافية، وبالتالي تأجيل انتشال نحو 100 قرية سورية، أو أكثر بقليل، من الفقر عبر تمويل مشاريع صغيرة مستدامة التنمية تكون المرأة الأساس فيها.. ولكن هل من داع للاستغراب.. ولماذا؟!
لا داعي لأن المشروع الذي بُدئ العمل به- نظرياً- عام 2007، لم يتمكن حتى الآن- بحسب اعتراف مصادر في إدارته- من تحديد أسماء المناطق الفقيرة التي يمكن اعتبارها محتاجةً لما يقدمه من خدمات؛ ولأن المشروع قائم بالأصل على فكرة «الإقراض» الهلامية التي لا يودّ أحد في سورية- فقيراً كان أم غنياً- الخوض في متاهاتها، ناهيك عن صغر حجم القروض المقدمة مقارنةً بمخاطر الولوج إلى عالم الاستدانة.
ثم لا داعي للاستغراب لأن المشروع يعتمد في خططه التنفيذية على مدى وعي الأفراد بأهمية العمل التنموي للخروج من الفقر بدل الاعتماد على تعزيز التعاون الاجتماعي لتحقيق هذا الهدف، وذلك رغم اعتراف إدارة المشروع بأنها تواجه- عملياً- «قلة وعي» كبيرة تعيق التنفيذ، وهذا يشير كذلك إلى أن المشروع يناقض نفسه حين يعتمد على قدرات الأفراد، ويعترف في الوقت نفسه بأن تعزيز قدرات الأفراد هي الخطوة الأولى على طريق تحقيق الأهداف المرجوة منه، وللحقيقة فإنها خطوة تتطلب سنوات طويلة قبل الانتهاء منها.
أما الدافع الأهم لعدم الاستغراب، فهو أن الآجال الزمنية المقترحة لتحقيق مثل هذا الخرق ضد الفقر ليست آجالاً مدروسة، وإنما تغلب عليها العاطفة الدعائية لا أكثر، إذ من المستحيل انتشال قرية واحدة من الفقر خلال ثلاثة أعوام، اللهم إلاّ عبر طمرها بالذهب.. علماً أن هذا الحل- رغم بريقه- لن يجدي نفعاً في نهاية المطاف لأنه مجرد تلميع!.
وبعيداً عن «لماذا»، يمكن القول إن انتشال مئة قرية من الفقر لا يختلف كثيراً عن انتشال قرية واحدة منه، وكل ما تقدم ذكره- وغيره- يدفعان إلى الاقتناع مرةً وإلى الأبد أن الأمر يتطلب، كخطوة أولى وضرورية، توفير فرص عمل «جماعية» تتدخل الحكومة مباشرةً (بالتمويل أو التوجيه) لضمان تشغيلها قرب المناطق المصنفة على أنها فقيرة، ويلي ذلك بطبيعة الحال خطوات ستفرض نفسها بنفسها لا محالة.
وعليه، فإن عملية انتشال الفقراء من فقرهم، أياً كان عددهم، قد تمتد عشر سنوات من الآن، وهذا طبيعي في حال وجدت الإرادة لتحقيقه، أما أن يظهر أحد قبل انقضاء هذه المدة ليقول: «نعم، لقد انتشلنا كذا قرية من فقرها».. فهذا ما سيدعو للاستغراب حينها دون شك!.
ولكن رغم كل ما يمكن للمنطق أن يقدمه في مجال القضاء على الفقر وغيره من المشكلات الحياتية التي يعانيها الناس، لابد من التساؤل قبل كل شيء عن مدى جدية الحكومة في التخطيط لأمر غير الاستمرار بنهجها الاقتصادي الذي ورّط كل السوريين بمشكلات هم بغنى عنها، والإجابة بطبيعة الحال معروفة، فجل ما يهم المخططين هو إنتاج المزيد من الخطط ثم التخطيط للتهرب من مسؤوليات تنفيذها، ولذلك يمكن وضع جميع ما يصدر عن المسؤولين في الحكومة، خلال هذه الأسابيع بالذات، ضمن إطار السعي لكسب خمس سنوات أخرى هي عمر الخطة الخمسية الحادية عشرة بغية تمديد المرحلة الانتقالية التي مثلت الخطة العاشرة بدايتها، وإعاقة أي تحسّن نوعي قد يصيب معيشة المواطن السوري ويقصّر المسافة التي تفصله عن نيل حقوقه كاملة، وليس آخرها «قبر» الفقر، والحصول على زاد يكفي للبقاء على قيد الأمل!.