سكان «المهاجرين» متخوّفون من عدم التزام الحكومة بوعودها.. ما مدى جدية الحكومة بتأمين السكن البديل للمنذرين بالهدم قبل المباشرة به؟
كثيراً ما عقد مجلس محافظة دمشق اجتماعات تمت خلالها مناقشة القضايا المتعلقة بالخدمات والمرافق البلدية والإنشاء والتعمير والأبنية المدرسية وتسوية المخالفات والإسكان، وغيرها من القضايا الحساسة، ولكن بانعكاس هذه المناقشات والاجتماعات على أرض الواقع قلَّما نجد في تنفيذ الكثير من المشاريع فائدة عامة تنعكس لخدمة المواطنين وتأمين مطالبهم ومصالحهم، بل أنها في الغالب تخدم أشخاصاً بعينهم، دون أن يكون للمشاريع المنفَّذة نفعٌ عام يعود على شرائح المواطنين المحتاجين للخدمات المطروحة.
أما بخصوص مشروع تأهيل سفح قاسيون، فقد عقدت محافظة دمشق ندوات حوله وتناست دعوة أعضاء المجلس، وخاصة ممن يقطنون المنطقة، وعددهم يتجاوز العشرين عضواً. وبيَّن المهندس عبد الفتاح أياسو مدير التخطيط والتنظيم العمراني في محافظة دمشق، أنه تم عرض نتائج الدراسة التي حُدِّدت فيها المسارات الجيولوجية، وقال مصرحاً «إننا بحاجة إلى سكن بديل، واقتُرِحت منطقة معربا، لكن المنطقة لم تدرس تفصيلياً»، وأشار إلى أن هذه الدراسة هي دراسة أولية تحتاج إلى إضبارة تنفيذية، وأن جزءاً من معربا هو مخصص للمحافظة بمساحة /100/ هكتار، ستُدرَس لإقامة سكن بديل، إضافة إلى وجود بدائل أخرى في منطقة الديماس التي انتهت دراستها من المؤسسة العامة للإسكان، التي وعدت بتسليم مشروع السكن البديل إلى المحافظة هذا العام، وعندئذ ستُزال البيوت المنذَرة بالإخلاء عند توفر البديل.
كما قدّم مدير التخطيط والتنظيم العمراني في محافظة دمشق شروحات مفصلة عن إخلاءات منطقة المهاجرين، مبيناً الاستملاك الجديد لأجزاء من العقارات، بهدف تحسين الأداء المروري في المنطقة في طلعة شورى، يتضمن إزالة مركز النظافة، وتوسيع الشارع المخدِّم للجادات الثالثة والرابعة والخامسة في منطقة المهاجرين ـ جادات، وهو الطريق التخطيطي المصدق منذ أكثر من ثلاثين عاماً، ويشمل عدة عقارات في شارع سلمية، وهو عبارة عن وصلة بطول 500 متر، من سلمية إلى خورشيد، وقال «هناك نسبة كبيرة من المستحقين للسكن البديل تصل إلى نحو /158/ أسرة، وقد حدد موعداً لتنفيذ الإخلاءات المنذرة في منطقة المهاجرين بتاريخ 28/2/2011
أحد أعضاء مجلس المحافظة طالب بتأجيل تنفيذ الإخلاءات حتى نهاية الامتحانات والمدارس والشتاء. وقال: إن هناك 500 عائلة ستتأثر بهذا الإجراء، ومعظمهم يسكن في هذه المنطقة منذ أكثر من خمسين سنة، وتساءل كاشفاً عن بعض الخفايا في نوايا المحافظة من وراء المشروع غير التي طرحها مدير التخطيط والتنظيم العمراني، فقال: «هل المشروع لفتح شارع تجاري وحجز أبنية على جانبيه لبعض الشركات؟» وكشف عن قيام البعض ببيع العقارات بعد الاستملاك بلعبة التحايل على الطابو، واتهم بعض أجهزة المحافظة بتسريب المخططات التنظيمية الخاصة بهذه المنطقة، وأن بعض المتعهدين علموا بها قبل الأهالي الذين لم يعلموا بمسار الطريق واتجاهاته ولا حتى الهدف النهائي من المشروع، رغم الكثير من الاستفسارات.
وتساءل عضو آخر في مجلس المحافظة عن مصير سكان المهاجرين، علماً أن عدد سكان مخالفات قاسيون يقدر بنحو مليون نسمة، ووجه انتقاداً إلى طريقة وآلية التعويض للمنذرين بالهدم ضارباً مثالاً عقارات استُملِكت عام 1975 وتم تخمينها عام 1985 بنحو 61 ألف ليرة سورية، لمساحة تعادل 130 م2، والبديل سكن على مساحة 60 م2 في أحد المشاريع في برزة.
وتساءل عضو ثالث عن مصير أهالي حي البيادر في برزة شمال أوتستراد حاميش وكيفية التعويض للأهالي من الجمعيات المشترية للمقاسم، وخاصة جمعية إسكان الشرطة، علماً أن سعر المتر المربع الواحد من الشقق بعد البناء وصل إلى أربعمائة وخمسين ألف ليرة سورية.
قرار حاسم للحكومة
بعد سماع الكثير من شكاوى المواطنين واعتراضهم على تنفيذ الإخلاء قبل تأمين السكن البديل الدائم، والذي يحفظ كرامة المواطن ولا يرميه في الشارع، جاء تصريح رئيس الحكومة المهندس محمد ناجي عطري بعد إطِّلاعه من محافظ دمشق على شرح مفصل عن المشاريع التي تنفذها المحافظة، وتساءل عن موضوع الاستملاكات في بعض المشاريع، وطالب الجهات المعنية عدم تقاذف المسؤوليات فيما يتعلق بالاستملاك، قائلاً: «المواطن هو الأولوية ويجب أن ينفَّذ المشروع بشكل متكامل، من تخطيط واستملاك، وعدم المباشرة بأي مشروع قبل الانتهاء من إضبارة المشروع بشكل كامل، وطالب بإعداد إضبارة استملاك مستعجلة، والمباشرة بالمشروع بالتوازي مع تسديد القيم المالية لمستحقيها من المواطنين، وعن إشكالات الاستملاك والإخلاءات بمشروع تأهيل قاسيون صرح مؤكداً ضرورة تأمين السكن البديل للمنذَرين بالهدم، ووضع خطة لذلك قبل المباشرة بأي مشروع.
مخاوف مشروعة
كثرت الشكوك عند أهالي منطقة المهاجرين المنذرين حول مصداقية تأمين السكن البديل، وخاصة أن الدراسة قد بينت أن هناك /4000/ أسرة على سفح قاسيون، من أصل عشرة آلاف أسرة على طول مشروع تأهيل قاسيون، سيتم إخلاؤها إلى الحسينية بعقود إيجار لمدة ستة اشهر، وبعدها (كل واحد يدبر رأسه)، وما أثار الشكوك أكثر هو التعامل مع من وُعِدوا بالسكن البديل من سكان برزة، حيث استأجروا بيوتاً منذ عام 2000، منتظرين السكن البديل الموعودين به في مشروع ألماظة خليل، الذي انتهى ولم ينفَّذ الوعد بإسكانهم به. ثم أن السكن البديل في غير منطقة الإخلاء خرق للدستور.
بعد أن كانت «قاسيون» قد نشرت تحقيقاً حول تصريحات وتخوفات الأهالي من مشروع تأهيل قاسيون بعنوان «مشروع استثماري سياحي في سفح قاسيون لتشريد أكثر من /10/ آلاف أسرة، ضحاياه /500/ أسرة حتى الآن»، وبعد صدور تصريحات رئيس الحكومة بضرورة تأمين السكن البديل للمنذرين بالهدم ووضع خطة مدروسة لذلك، بعث أهالي منطقة المهاجرين رسائل الكترونية، واتصلوا هاتفياً مرات عدة لمتابعة الموضوع عن كثب، وفي إحدى هذه الرسائل جاء: «السيد رئيس تحرير «قاسيون»: بالنسبة لاستملاك منطقة المهاجرين يوجد حقائق نريد توضيحها، حيث أن هذه المنطقة وُضِعت عليها (إشارة استملاك فقط) وليس استملاك، وهذا كان سنة 1975، وفي سنة 2005 نقلت المحافظة الملكية للعقارات، ما يعني أن الاستملاك لتلك المنطقة يعتبر من عام 2005، وهو من الاستملاك الجديد، وعبد الفتاح أياسو (مدير التخطيط التنظيمي والعمراني في محافظة دمشق) مرة يقول إن الاستملاك الجديد لمنطقة العفيف هو عبارة عن /10/ بيوت ليس أكثر، لعمل حديقة، ومرة أخرى يقول لن يبدأ بالمشروع إلا بعد تأمين السكن البديل أو التعويض المادي العادل لأنه من الاستملاك الجديد، ومرة ثالثة يقول لا يوجد سكن بديل سوى تعويض مادي عبارة عن 20 ـ 60 ألف ليرة سورية. وأهالي المهاجرين يقولون: لماذا لم يتم التنفيذ لذلك المشروع من حين وضع إشارة الاستملاك؟ أي من 36 سنة؟! نرجو منكم المتابعة لهذا الموضوع لشدة حساسيته، ولكم جزيل الشكر».
مرة أخرى بين الأهالي
استجابة لنداء المواطنين قامت «قاسيون» مرة أخرى بزيارة منطقة المهاجرين- العفيف، والتقت ببعض المنذرين بالإخلاء الذين يزيد عدد بيوتهم عن /300/ بيت، وفوَّضوا ثلاثة من الحاضرين بالتحدث نيابة عنهم جميعاً.
• المواطن حسام الدين ص. قال: «هنالك عشرون وجهاً قانونياً يجعلنا نقف أمام إخلاء بيوتنا إلا بعد تأمين السكن البديل القانوني والنظامي والعادل والدائم، وهذه أربعة شروط نطالب بتحقيقها في السكن البديل، ولا نريد سكناً مؤقتاً بصفة إيجار في الحسينية لمدة ستة أشهر، كما تقول المحافظة، وعلى حسابها، وبعد ذلك (كل واحد يدبر رأسه)، إننا نطالب بسكن بديل بناء على أمرين قانونيين: الأمر الأول بموجب قانون الاستملاك الصادر عام 1975 الذي ينص على تأمين السكن البديل للمنذرين بالإخلاء (سقفاً مقابل سقف وبنفس المنطقة)، وهذا السكن يجب أن يكون دائماً وبسندات تمليك نظامية، والأمر الثاني الذي نعتمد عليه بمطلبنا هذا، هو مطالبة رئيس الحكومة بالالتزام بوعوده وتصريحاته التي يطلقها في المحافل الرسمية، وألا يكون التنفيذ (من تحت لتحت) مغايراً ومناقضاً لهذه التصريحات، هذا فقط ما نريده».
• المواطن علاء ف. قال: «أساساً قرار الاستملاك للمنطقة الذي صدر عام 1975 سقط بالتقادم، ومن المعروف قانونياً أن قرار الاستملاك إذا لم ينفذ خلال 25 سنة فإنه يسقط وتُلغى كل مفاعيله، ولكن بما أن المحافظة عادت وأحيته عام 2005 أي بعد ثلاثين سنة من صدوره، فإننا نطالب إما بالسكن البديل النظامي وفي المنطقة نفسها وبسندات تمليك، أو بالتعويض المادي العادل وبالسعر الدارج والمتعارف عليه هذه الأيام على أرض الواقع. ونرجو ألا يعاملونا كما عاملوا المنذَرين في مشروع شرق العدوي، حيث كانت كثير من النسوة يذهبن إلى المحافظة يومياً، وتحديداً إلى مكتب مدير التخطيط والتنظيم العمراني، الذي كان يقول لهم: «عوضكم على الله، عسى أن ينزل لكم بيوتاً من السماء»، هل يعقل أن سورية الكريمة الحرة التي تساعد على إيواء المنكوبين من كل بلاد الدنيا، بينما يسعى البعض في محافظة دمشق لتشريد أبنائها في الشارع؟»
• المواطن إحسان ع. قال: «إن قرار محافظ دمشق رقم 664/م.ت الصادر بتاريخ 21/6/2009 ينص في مادته الأولى على موافقة المحافظة على تغيير قواعد اعتماد إثباتات مستحقي السكن البديل، ومنها عقد الإيجار، حتى ولو كان غير مصدَّق، والمثبَت فيه استمرار المشغِّل لإشغاله لأكثر من سنتين، فإذا كان المستأجر لسنتين لعقارٍ منذرٍ بالإخلاء وعند التنفيذ يستحق سكناً بديلاً، فما بالك بالذين يسكنون بملكهم منذ أكثر من خمسين عاماً؟ ومعظمهم اشتروا قبل قرار الاستملاك، وحتى الذين استأجروا فهم منذ عشرات السنين، وهم ملتزمون بدفع فواتير الكهرباء والماء وضريبة الترابية والإيجار لمحافظة دمشق، وفق إيصالات رسمية ونظامية تصدرها إدارة المدينة، ولكنها لا تعترف بها، وبالأساس القانوني كما قلنا فإن قرار الاستملاك يسقط إذا لم ينفذ خلال 25 عاماً، فما بالك بمرور 36 سنة، واليوم يأتون لينفذوه؟! نحن نطالبهم فقط بتنفيذ وعودهم والالتزام بتصريحاتهم العلنية وعدم الالتفاف عليها بمبتكرات جديدة».
ترقب وقلق بانتظار المجهول
هذا هو إذاً المطلب الحق لأهالي منطقة المهاجرين المنذرين بالإخلاء لتنفيذ مشروع تأهيل قاسيون، الذي عرف الأهالي نتيجة التسريبات أنه سيكون مشروعاً استثمارياً سياحياً، يحوي مقاصف ومطاعم وملاهي ومقاهي وحدائق ومنشآت ترفيهية، إنهم ليسوا ضد الاستثمار وتطوير المنطقة، ولكنهم يرفضون تماماً أن ترميهم المحافظة في الشارع، يريدون سكناً بديلاً عادلاً في المنطقة نفسها، وهذا ما وعد به رئيس الحكومة، وهذا ما يطالبونه، فقط الالتزام والوفاء به حفظاً لكرامة الوطن والمواطنين.
المطالب العادلة لأهالي منطقة المهاجرين
المنذرون بالإخلاء في منطقة المهاجرين يمضون أيامهم بين القلق والتوتر، خوفاً من قيام المحافظة باتخاذ خطوات تهدر كرامتهم وتشردهم وترميهم في الشوارع، لذلك فإنهم يوجهون رسالة واضحة إلى أصحاب القرار يطالبون فيها بمطلبين يضمنان لهم الأمن والاستقرار، وهما:
1ـ وفاء والتزام المسؤولين في هذا البلد، وخاصة رئيس الحكومة، بتنفيذ وعودهم والالتزام بتصريحاتهم التي يطلقونها في المحافل الرسمية بشأنهم، وألا تكون للدعاية فقط، وألا يكون التنفيذ (من تحت لتحت) مغايراً ومناقضاً لهذه التصريحات.
2ـ أن يكون السكن البديل عادلاً ودائماً، لا يشرّد المواطنين ولا يبعدهم عن جذورهم التي عاشوا عقوداً طويلة على نفحاتها، بل أن يكون مستنداً إلى نصوص مرسوم الاستملاك لعام 1975 الذي ينص على تأمين السكن البديل للمنذرين بالإخلاء (سقفاً مقابل سقف) في المنطقة نفسها.