وزير الكهرباء يُنصِّب نفسه وزيراً للعدل!
محمد عصام زغلول محمد عصام زغلول

وزير الكهرباء يُنصِّب نفسه وزيراً للعدل!

لقد فُقدت الثقة بين المواطنين ووزارة الكهرباء منذ زمن طويل، لا بل يعتبر كل مواطن سوري وزير الكهرباء ألد عدو له على وجه الأرض، فالفواتير النارية والمخالفات الاعتباطية، والزيادات النقدية، أدت إلى توسيع الهوة التي بدأتها سلسلة انقطاع التيار وعدم انتظامه وكثرة أعطاله.

 ولعلكم يا سادة لا تقرؤون جريدة إلا وتجدون فيها مقالة عن الكهرباء وأحوالها، إلا أنكم ستقرؤون اليوم ما ليس بالمتوقع!

فالبداية كانت مع كثرة المخالفات التي يضبطها موظفو الكهرباء، بغض النظر عن مدى صدقيتها، أو عن المخالفات التي تحصل أثناء ضبط المخالفات.

فليست هذه نقطة البحث.. لأنه بعد ضبط المخالفة، يقوم القسم القانوني الكهربائي، بالادعاء على المواطن «السارق للكهرباء» بالجرم الخطير الذي يصل إلى المحكمة, ويشرع بالدعوى بأسرع مما يقبض على اللصوص الحقيقيين والقتلة والمجرمين...

وهنا يطالب الكهربائيون بالحبس والغرامة, وبالتعويض عن قيمة الاستجرار غير المحسوب، والذي كان يفرض أن يحسب لولا حدوث المخالفة، والعجيب أن هذا الاستجرار وقيمته الجزافية يتجاوز كل ما قد استهلكه المواطن طيلة حياته من الكهرباء.. ولا مشكلة.. فللمدعي أن يطلب ما يشاء ويحاول إثبات ما يشاء، ويعود للقاضي وحده قبول البينة وتقدير التعويض. وهنا تبدأ المحاكمات، والتي قد تطول وقد تقصر، بحسب دفوع كل طرف وبحسب أحوال المحاكم وكثافة الدعاوى فيها ـ كما هو معلوم ـ.

لكن السيد وزير الكهرباء، الذي فوجئ بالمماطلة في الدعاوى، حيث لم يكن يعلم أن الدعاوى في سورية قد تستمر سنين، لأنه كان يعيش في «المدينة الفاضلة» حيث تفصل الدعاوى هناك بأسبوع واحد.. قرر أن يقلب المعادلة، فبدل أن يتعب محامي الكهرباء بذهاب وإياب، ورسوم وطوابع، ويتعب المحاكم والقضاء والمواطنين، قرر فجأة، عفواً، بل فكر ثم قدر، ثم نظر، فقال:

أعطوني ملف المواطن فلان! بكم ندعي عليه؟ قالوا: بأربعين ألفاً، قال: وكم ستستمر الدعوى، فأجابوه بأن المواطن فلان قد وكّل محامياً مراً، قد يطيل الدعوى لسنين...

فأصدر الوزير قراراً نصّب  نفسه به وزيراً للعدل، لا بل كبيراً للقضاة، وأنهى الدعوى مرسلاً إنذاراً للمواطن فلان بدفع الأربعين ألفاً تحت طائلة سحب ساعة الكهرباء!.

وخلف الإنذار بخط صغير، تحياتي لمحاميك المر!!

حيرني هذا الوزير، الذي كان فيما مضى يقولون عنه، وزير الكهرباء، بلا وزارة وبلا كهرباء، صار اليوم.. على رأس أغنى وزارة، يتاجر بالكهرباء داخلياً وخارجياً، والتاجر ـ كما تعلمون ـ يخضع للعرض والطلب، فيقطع الكهرباء عن داريا ذات المخالفات الكثيرة، ويبيعها إلى تنظيم كفرسوسة، حي السفارات الجديد في دمشق.

إن كان وزير الكهرباء كغيره من المسؤولين لم يعد يحترم القوانين، ولا يريد أن يخضع لها ولا لقضاتها ولا لمحاكمها، فليرحنا وليكتب على مدخل قصره: وزير الكهرباء والعدل وكبير القضاة، وليفتح سجناً في قبو قصره ـ لا.. أستغفر الله- قد يزعجه الموقوفون، فليفتتحه في قبو الوزارة يضع فيه من قرر حبسهم لأنهم مجرمو كهرباء.

ولعمري لست حزيناً على موكلي الذي اضطر راغماً إلى دفع ما أمر به وزير الكهرباء، والذي من المفترض أن يقرر القضاء صحة الدعوى من عدمها، ولست حزيناً على الأتعاب التي فرت من أيدينا، ولكني في أشد الحزن والأسى أن يصبح هذا ديدن الوزير، فذلك –لا شك- أسهل وأسرع وأوفر له، وسنصبح حينها لقمة سائغة بين يديه في دعوى خاسرة هو الخصم والحكم فيها.

وأن يتجرأ آخرون على القانون، فلا أستبعد أن نرى وزير الرياضة وزيراً للعدل يهدد بحبس كل رياضي يخسر... عندها سنرى جميع رياضيينا السوريين في السجون.

ولكن المشكلة إن تنازعت الكهرباء والرياضة، على رياضي سارق للكهرباء، عندها لا ندري لمن الغلبة , وبأي سجن سيقبع.