من الذاكرة:وينبلج النهار

من الذاكرة:وينبلج النهار

قصة الرفاق مع المعتقلات والسجون ملحمة دامية ضارية، عاشوا أحداثها ووقائعها القاسية الجائرة، شموخ عزم لا يلين، وصمود قناعة لا تتزعزع بانتصار نضال الكادحين بسواعدهم وأدمغتهم على القهر والظلم والاستبداد والاستعباد. وقد دفع الكثير منهم حياتهم ثمناً للحرية والخلاص. 

وفي السادس والعشرين من هذا الشهر مرت مناسبة عيد الشهيد الشيوعي، ورفت في البال والقلب أصداء تضحيات أولئك البواسل الميامين أمثال فرج الله الحلو وسعيد الدروبي ومحيي الدين فليون وعبد القادر إخوان ومصطفى الزعبي وغيرهم. أصداء عذابات الألوف الذين عانوا مرارة السجن وأثبتوا بصمودهم وإبائهم أن لا خلاص من القهر والاستعباد إلا بمقاومة الاستبداد ومقارعة الطغاة والطغيان، لأن المستبدين أعداء الحق والحرية والحياة، وهم أصل وجذع وفروع الفساد والنهب والاستغلال، وفي عهود الظلام التي تمر بها الشعوب آناً بعد آن، يعمد الباطشون إلى تقييد حرية القول والكتابة وحتى الأنفاس، فمن إرهاق إلى سجن إلى نفي وتشريد.

وعلى جدران غرف التوقيف وزنزانات التعذيب وجدران السجون وأقبية المباحث والأمن، سطر الرفاق أقوالاً وأشعاراً تظل تشع نوراً وعزيمة في عيون وأفئدة المناضلين في كل ساح في سبيل غد أفضل وأنبل وأجمل. ومن أمثلة ذلك ما خطته أيدي الرفاق على جدران سجن المزة العسكري ومخفر الشيخ حسن وسراديب التعذيب، من كتابة عبروا من خلالها عن صدق انتمائهم لصفوف المعذبين في الأرض، وثقتهم الراسخة بانبلاج فجر الحرية والخلاص.. فجر عالم جديد. ومن هذه الكتابات المحفورة على الجدران:

خل الملامة لا تثر أحقادي

فاللوم أولى أن يزيد عنادي

ما كان أروع لو تسير بجانبي

لندك متحدين صرح العادي

فالظلم ليس علي وحدي كله

فيداي مثل يديك في الأصفاد

إني أعرف أن دربي شأنك

وعر يقض مضاجع الرواد

وبأن أعدائي الطغاة غليظة

أكبادهم يقفون بالمرصاد

لكنني بالرغم من إرهابهم

وسجونهم وتفاهة النقاد

سأواصل السير الحثيث لغايتي

في موكب الحرية الرعاد

* * *

بأي شوق كبير

غداً رجوعي إليها

أضمها نحو صدري

مقبلاً عينيها

مداعباً خصلات

حطت على كتفيها

محدثاً عن زمان

ناء غريب عليها

* * *

عند المساء يقبل الحنين

يمسح في رفق على الجبين

يسأل في صمت عن الذين

ينتظرون وراء القضبان واجمين

* * *

وقد أضفت بدوري ما يلي مستعيناً بيد ملعقة معدنية مكسورة:

أختاه لا تبكي الأخ الغائبا

عن عينك الحوراء في المزة

في غرفة التحقيق في الظلمة

جاء الطغاة السود كالنقمة

كالموت كالطاعون أيديهمو

يا هول ما جنت على جبهتي

أختاه العذاب القائم

الغاشم.. أسطورة ستبقى

في خيال الصغار

حكايات الكبار

والسوط يأكل ظهر الرفاق

وتضج في صدر الرفاق

ثورة الإعصار ولهيب نار

لابد أن ينبلج النهار

لابد أن ينبلج النهار