أزمة النقل في الغوطة الشرقية.. بين نقمة المواطن المشروعة وحقوق السائق الممنوعة
يوماً بعد يوم تتزايد الأزمات بالظهور والبروز وسط المجتمع السوري وهذا ما يجعل الحل صعباً أو شبه مستحيل ومن الإصلاح وهماً أو نوعاً من الخيال، ولعل المعاناة اليومية التي يعيشها سكان منطقة الغوطة الشرقية في سبيل الوصول إلى العاصمة، والتي تكاد تبلغ حد المأساة، هي من أهم المشاكل التي يعانيها سكان تلك المناطق، في حين ما تزال إدارة المرور تقف عاجزة عن إيجاد حل لهذه الأزمة، فما يحدث لأهالي مناطق (سقبا- كفربطنا- عين ترما) جراء هذه الأزمة أرهق الشباب والنساء والأطفال وأصبح كارثة حقيقية لكل من عمل أو أقام أو ذهب لتلك المناطق، وقد أجرت «قاسيون» بعض الأحاديث مع الأهالي المتضررين لتسليط الضوء على هذه المشكلة المستعصية..
يقول الأستاذ معاذ: «أصبح من النادر أن تجد ميكرو باص يرغب بالذهاب إلى دمشق، فجميع الميكرويات تشترط عليك قبل الصعود أن آخر موقف سوف يكون في عين ترما أو الزبلطاني فقط، وهذا ما يجعلنا نضطر إلى ركوب سرفيسين أو ثلاثة في بعض الأحيان من أجل الوصول للعاصمة»، وفي السياق ذاته يقول مواطن آخر: «كثيراً ما نرغم على الوقوف ساعة أو ساعتين في آخر موقف ريثما يمر ميكروباص واحد، فمعظم الميكرويات أصبحت لاتتابع الطريق وهذا ما يجعلنا مرغمين على الذهاب إلى الزبلطاني في كثير من الأحيان». بينما يقول ثالث يقيم في سقبا: «أعمل موظفاً لدى شركة في مدينة دمشق غير أن قلة قليلة من السرافيس العاملة على خط سقبا هي التي تكمل الطريق بشكل فعلي باتجاه المدينة وازدحامها، فطريق العمارة الضيق والمزدحم فعلاً بالسيارات والباصات السياحية إضافة إلى الارتفاع الكبير الحاصل بسعر مادة المازوت، جعل معظم السائقين يشعرون بأن حقوقهم مسلوبة وبالتالي أصبحوا يتصرفون بهذه الطريقة ولا يكملون الطريق».
وتقول السيدة صباح (إحدى المواطنات)، إنها انتظرت في الأسبوع الماضي أكثر من ساعة في نهاية سوق الهال ولم يعبر ميكرو واحد فيه موطئ قدم، موضحة أن «هذه الأزمة ليست وليدة اليوم، بل انطلقت مع انطلاق الحركة الاحتجاجية وتعمقت بعد أزمة المازوت، أي منذ شهور، ولا أحد يلتفت للناس والعباد».
ويقول أبو شاكر (وهو مواطن من منطقة كفربطنا): «إن سائقي الميكرويات على حق، فالطريق طويل وتنكة المازوت غالية والأجرة قليلة والحواجز كثيرة والميكروباصات كثيرة، والناس اللذين يريدون تريد الذهاب إلى دمشق قليلون، فلم يعد يذهب إلى مركز العاصمة إلا الشخص المضطر، وذلك خوفاً من الحواجز والاعتقالات والمشاكل الأمنية، فغالباً ما يتجه الميكرو إلى دمشق فارغاً، فلماذا نحن نريد زيادة الضغوطات على السائقين؟ يجب علينا أن ننصف السائق كما ننصف المواطن!».
يقول الطالب مروان: «في الصباح الباكر يتراكم المواطنون في كفربطنا على المواقف، وإذا أرادوا الذهاب إلى المدينة تراكموا فوق بعضهم كالدجاج، وذلك ليس بسبب الأزمة الاعتيادية بل بسبب مزاج معظم السائقين وإضرابهم عن الذهاب إلى العاصمة، والاكتفاء بالذهاب إلى منطقة الزبلطاني ما يخلق لنا متاعب حقيقية بالفعل».
ويرى مواطن آخر أن الأسباب الرئيسية لهذا الموضوع قد تتلخص في النقاط التالية: الارتفاع الفظيع في سعر مادة المازوت، وفقدانها من معظم الكازيات؛ كثرة الحواجز الموجودة على الطريق بين سقبا ومدينة دمشق؛ إغلاق الجسر والازدحام الحاصل عند جسر الكباس على الرغم من الانتهاء من عملية بناء الجسر.
ويقول سائق على خط (سقبا- حمورية- كفربطنا): «إن ثمن تنكة المازوت بين 800 و1000 ليرة، وهو مفقود من معظم الكازيات وقد منحتنا الدولة في بداية العام دفاتر وقسائم لشراء مادة المازوت والتعامل بها وحل الأزمة لكنها لم تلتزم بالموضوع، بالإضافة إلى أن الأزمة الأمنية الحاصلة في البلاد دفعت الكثير من الناس للابتعاد عن طريق العاصمة إلا للأمور الضرورية، ما يجعل الذهاب إلى قلب العاصمة والشوارع المزدحمة كارثة حقيقية، فكيف تريدون من السائق الذهاب إلى المدينة في مثل هذه الأوضاع براكب أو راكبين ويتحمل الازدحام الشديد في السوق ووجود البسطات والبائعين الجوالين والعربات المنتشرة على جانبي السوق؟ كل هذا دفع بمعظم السائقين إلى تحديد خط سير جديد بعيد عن الطريق السابق، والاكتفاء بالذهاب إلى منطقة الزبلطاني دون متابعة الطريق.. غير أني أرى الحل في رفع تسعيرة الركوب إلى 15 أو 20 ليرة، وعندها لا يتبقى لأي سائق عذر أو حجة لتغيير الطريق أو عدم متابعته».
ويقول سائق آخر: «لا شك بأن السبب الرئيسي للمشكلة هو الارتفاع الحاصل في أسعار مادة المازوت وانخفاض تعرفة الركوب، والتي لا تتناسب إطلاقاً مع الارتفاع الفظيع في أسعار المواد الغذائية التي يتضاعف ثمنها أسبوعياً دون أن يستطيع السائق تحصيل ما يكفي لسد الرمق، فكل شيء ارتفع ثمنه باستثناء أجرة الراكب بقيت كما هي (10 ليرات) دون النظر إلى الازدحام الحاصل في بعض المناطق، مثل العمارة وعند جسر الكباس وتحت جسر حرملة والطريق الضيق في سوق الهال، ناهيك عن مشاكل المرور والمخالفات، كل هذه الأمور مجتمعة تدفعنا نحن السائقين إلى إختصارالطريق، والراكب يدبر حاله».
خلاصة الكلام
الموضوع أكثر تعقيداً مما يبدو عليه، فإذا كان السائقون على خط (كفربطنا- سقبا- حمورية) هم المخطئين في عدم متابعة الطريق بالكامل والوصول إلى العاصمة، فإن المسبب الرئيسي للمشكلة والدافع إلى حصولها هو الأخطاء المتكررة والمتتالية المرتكبة من الدولة ابتداءً من الارتفاع الفاحش الحاصل في سعر مادة المازوت، مروراً بالحواجز المنتشرة والمبعثرة في الشوارع والطرقات الضيقة، وصولاً إلى قضية الجسر وعدم استخدامه على الرغم من شبه الانتهاء من عملية بنائه، فكل هذه الأخطاء جعلت من قصة بسيطة قضية متشعبة غاية في التعقيد، وكأننا أصبحنا نبتغي التخريب بدل الإصلاح والتعمير!.