العنف المدرسي.. واستيراد التجارب
منذ صدور مرسوم منع العنف في المدارس السورية، والسجال مازال مستمراً بين مؤيد ومعارض، فمن المهتمين والمتابعين من يشيد بهذا القانون ويعده خطوة صحيحة على طريق التقدم والتطور، ومنهم من يراه وبالاً ليس على المعلمين فقط، بل وعلى التلاميذ أيضاً وعلى مسيرة العملية التربوية والتعليمية بشكل عام.
جاء هذا المرسوم إلى أروقة وزارة التربية كخطوة جريئة للحد من العنف الجسدي الممارس ضد الأطفال في المدارس، وذلك لما للعنف من انعكاسات سلبية على الأشخاص الذين يمارس عليهم، وبالتالي على المجتمع أجمع، فما كان من وزير التربية إلا أن أصدر تعميمات يمنع بموجبها التعنيف الجسدي والكلامي بحق الطلاب، ويعاقب المعلم المخالف بعقوبات متفاوتة تصل حد التجريم، متجاهلاً كل العبارات القديمة التي تنص على أن المدرسة هي البيت الثاني، وليجرد المعلمين مما كانوا يعدونه حقاً لهم لممارسة دورهم في التربية بما يتناسب مع اسم الوزارة المعنية العاملين فيها وهو الضرب والتعنيف. وهنا لا نشير إلى أن التربية لا تتم إلا باستخدام العنف، ولكننا نتناول الموضوع من وجهة نظر القوانين التي تفتقر لأي نص يحد بشكل فعلي من ظاهرة العنف الأسري باعتبار الأسرة هي المؤسسة التربوية الأولى في المجتمع، ولا يحد من العنف القائم في المجتمع.
ولنستبين حجم المشكلة، يوجب علينا الوقوف على ثلاثة أمور هي:
قانون إلزامية التعليم، قانون منع العنف في المدارس، غياب قانون يمنع العنف الأسري والمجتمعي..
وبإجراء تقاطع بين هذه الأمور الثلاثة نجد المعلمين مضطرين للتعامل مع شريحة من الطلاب المجبورين على الذهاب إلى المدارس رغماً عن أنوفهم وأنوف أوليائهم، ويشكل الضرب جزءاً أساسياً من ثقافة العقاب لديهم.. فهؤلاء يتوجب تعليمهم ضمن لائحة عقوبات يمنع فيها الضرب، وينص أشدها على الفصل من المدارس التي يأتون إليها أساساً مرغمين؟؟ فما العمل في حال تجاهلنا تعارض هذا العقاب الأخير مع قانون التعليم الإلزامي، ومدى تأثير هذه الشريحة على الشرائح الأخرى من الأطفال.
ما الحل؟ مع العلم بأن المعلمين حالهم كحال المسؤولين الذين ليس لديهم عصا سحرية، بل حتى أنهم جردوا من العصا العادية دون أن يُمنحوا بدائل عقابية، خاصة وأن قسماً من الأطفال لا يملكون من الوعي ما يمكنهم من تحديد صالحهم، ولا الظروف الأسرية التي تنشئهم مدركين لأهمية العلم في هذه السن، فضلاً عن الكم الكبير من الطلاب في كل صف.
في المحصلة نحن لسنا ضد أي قانون يمنع العنف ويحد منه، ولكن ضد أن نستورد تجارب الأخريين ونعممها في مجتمعنا دون أن نخضعها لدراسة علمية موضوعية مبنية على أسس تجريبية واقعية لتبيان مدى فاعليتها على أرض الواقع، وما إذا كانت بالفعل تحقق الغايات المرجوة منها.