البطالة وتدني الأجور يقلصان «أعشاش» المتزوجين
لعل مشكلة البطالة والتي تفشت وانتشرت بشكل واضح في المجتمع السوري، قد لعبت دوراً أساسياً في مشكلة أخرى لا تقل عنها خطورة، ألا وهي العنوسة أو عزوف الشباب عن الزواج. فالارتفاع الحقيقي بنسبة البطالة والتي بلغت 30% في سورية خلال السنوات القليلة الماضية، واستحالة حصول الشباب على فرصة عمل مناسبة، زادا من ظاهرة العنوسة بين الشباب والشابات بشكل واضح ومستمر، ما يجعلها مشكلة اجتماعية ذات جذور اقتصادية بامتياز.
فعندما يفكر الشاب بالزواج تنتصب أمامه فوراً مشكلات عصيبة ليست بسيطة، وخاصةً في الوقت الحالي حيث الانعدام الحقيقي لفرص العمل.
إذاً فهو في واقع الأمر أمام حلم وردي لن يتحقق بسهولة، خاصةً وأننا نعيش في ظل أزمة حقيقية للسكن وارتفاع في أسعار السلع والمواد الغذائية وتكاليف الزواج ومتطلباته بشكل عام. يضاف إلى ذلك الانخفاض الكبير في مستوى أجور العمل، إن وجد، وفي حال أسعف الحظ الشاب بإيجاد فرصة العمل فإنه في أغلب الأحيان سيبقى تحت رحمة صاحب العمل الذي يقوم باستغلال زيادة المعروض من قوة العمل (نتيجة البطالة المتزايدة) ومنح العاملين أجوراً وتعويضات يحددها هو لا الحاجة، وبالنظر إلى هذه الأجور نجدها دون المستوى ولا تتلاءم مع الظروف المعيشية الحالية ولا مع الارتفاع الفاحش في أسعار المواد الاستهلاكية، وكذلك لا تتناسب مع الوقت والجهد الذي يبذله الشاب في العمل، فهذه الأجور زهيدة في واقع الأمر ولا تغني من جوع، فغالباً ما يعمل الشاب السوري 12 ساعة في اليوم ولا يحصل على أكثر من 10 آلاف ل.س في الشهر، مما دفع الكثير للبحث عن عمل إضافي يختلف باختلاف الأشخاص وختياراتهم، فمنهم من يختار العمل على بسطة في أحدى الأسواق ومنهم من يختار العمل كسائق تكسي إذا أمكن ذلك. وطبعاً ليس حال الشباب الذين يعملون بالمهن الحرة أفضل من ذلك.
يقول (ع.د) وهو شاب ويعمل خياطاً إن مجرد التفكير بالزواج يجعلني أضحك فالأمر، صعب للغاية، والعمل غير منتظم ونحن نعمل أسبوعاً ونتوقف عن العمل لشهر، وغالباً ما نضطر لصناعة القطعة بأقل من نصف الأجر، وهذا يجعلني بعيداً عن فكرة الزواج كل البعد.
ويقول (س.م) من أين لي أن أتزوج أو أفكر بالزواج أصلاً واستغلال أرباب العمل واضح لأحوالنا نحن الشباب؟ ويضيف: أعمل بورشة لتصنيع الحرامات وأتقاضى 10 آلاف ل.س ومدة العمل 12 ساعة حيث لا مجال لكي أعمل أي عمل آخر فكيف سأفكر بالزواج في ظل الارتفاع الحاصل بالأسعار؟.
ويقول (ن.و) أنا أعمل في محل لتصليح الموبايلات وأحصل على 8 آلاف قد يكفيني هذا المبلغ وحدي لكن من أين لهذا المبلغ البسيط أن يكفي لسد حاجات البيت ومتطلبات الأسرة؟. إن الواقع يزيد ضغوطه على الشباب السوري يوماً بعد يوم، ولاسيما مع اتساع البطالة وقلة الأجور المدفوعة، وهي الأسباب الجوهرية للعنوسة وخصوصاً مع الشروط القاسية والتي يفرضها بعض الأهالي من الشباب المتقدمين للزواج، فهم يطالبون أغلى المهور وأفضل الشقق السكنية عدا عن السيارة وحفل الزواج في أرقى الصالات أو الفنادق. وهذا ما يجعل الشاب يحاول الهرب من هذا الواقع الاقتصادي والنفسي الصعب دون أمل وكأنه وسط البحر لا يجد سفينة تنقذه ولا يستطيع العودة.
هذا الوضع السيئ للشباب يزيد التأثير بشكل تلقائي على الإناث ويحملهن أعباء لا طاقة لهن على حملها، فهن الأكثر تأثراً بالمجتمع بحكم العادات والتقاليد فكلما زاد عمر الفتاة قلت فرصها بالزواج أو الالتقاء بفارس الأحلام. وهذا ما يجعلها تصاب بخيبة أمل وإحباط وتتنازل عن الكثير من المتطلبات الشخصية في الإنسان الذي تود الارتباط به، وتوافق على أي عريس بهدف تكوين أسرة والخلاص من القيود والضغوط الاجتماعية المفروضة حتى دون الانتظار لمعرفة ما إذا كان هو الزوج المناسب.