نعم.. نحن من مسّتنا العقوبات!  هل تفعلها الحكومة.. وتواجه العقوبات بغير الشكوى والنقاش والوعود الخلبية؟

نعم.. نحن من مسّتنا العقوبات! هل تفعلها الحكومة.. وتواجه العقوبات بغير الشكوى والنقاش والوعود الخلبية؟

نعم مستنا العقوبات قبل أن تعلنها الحكومة، وتعقد اجتماعاً فوق العادة لتصل إلى استنتاج عريض يقول إن العقوبات تمس الشعب السوري.

الحكومة أكدت أنها (العقوبات) على عكس ما قرر العرب، تمس المواطن قبل النظام، وأنها لذلك اجتمعت وسوف تعد العدة لمواجهة المرحلة القادمة، وما سيترتب عليها من انتكاسات وضغوط.

 وعلى الأرض وخارج الاجتماع، ما زال  الطابور الكبير مستمراً منذ أسبوعين لطالبي الغاز، وأمام الكازيات لغط ليلي للباحثين عن بعض الدفء خارج دور المختار.

وأما الذين تنازلوا عن تبغهم الفخم بعدما صار سعر (الجيتان) 70 ليرة، ونزلوا إلى الحمراء الطويلة ثمة من يبيعها بخمسين، أما من يعشقون (المتة) فقصص تتحدث عن فقدانها، وآخرون يشترونها بزيادة 10 ليرات على الأقل عن سعرها المغفور له.

إذاً، في أبسط متطلبات القهر اليومي يعاني السوري، في تبغه ودفئه.. وأما المشكلات الكبرى التي كانت مطلباً قبل الأزمة فما زالت مطلباً بعدها، ولكن هذه المرة بفاتورة كبيرة على مساحة الوطن كله.

 مستهدفون.. بالجملة

لا أحد سينجو من التأثر بالعقوبات القادمة، وجميعنا وعلى اختلاف شرائحنا سنصاب بتأثيراتها، والحكومة لأجل هذا كله، ولأجلنا جميعاً – نحن أبناءها- خصصت جلستها الأخيرة لمناقشة العقوبات الاقتصادية، ووصلت عبر وزير إعلامها لإعلامنا أن الحكومة درست مجموعة من الإجراءات والتدابير للتعامل مع آثار هذه العقوبات وانعكاساتها على الاقتصادالوطني ومصلحة المواطن ومؤسساته الاقتصادية والخدمية وجميع قطاعات الدولة الأخرى.

ولأننا جميعاً مستهدفون، قال وزير الإعلام بهذا الصدد كلاماً رسمياً معبراً عن استنتاج حكومته: إن الحكومة ركزت اليوم على مناقشة العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الجامعة العربية على سورية، والتي تمس الشعب السوري بمختلف شرائحه وفئاته بعكس ما ذكر قرار الجامعة بأنها لن تؤثر على الشعب السوري.

 الحكومة.. اطمئنوا

ولأن دور الحكومة في أية قطعة أرض في هذا العالم يطلق عليها اسم دولة هو رعاية مصالح الشعب، فقد عزمت الحكومة على قطع وعد جاء على لسان وزير الإعلام: «إن الحكومة أكدت على الالتزام بتأمين حاجات المواطنين ومستلزماتهم مع وجود اكتفاء ذاتي، ومخزون استراتيجي من السلع الأساسية والمواد الغذائية، بما يطمئن الأخوة المواطنين،ويبدد مخاوفهم من نقص أية سلعة في الأسواق».

السيد وزير الإعلام لم يفته التنويه إلى أن بعض التأثيرات المحتملة ستكون دافعاً قوياً للدولة وجميع الفعاليات الاقتصادية لتطوير اقتصادنا، وزيادة إنتاجيته، والتوجه نحو أسواق لدول صديقة لا تتأثر بالسياسة الغربية والأمريكية.

نعم هي رسالة طمأنة لنا ووعد يجب أن نصدقه هذه المرة، ولن يكون مجرد كلام الغاية منه إيصال رسالة إلى العالم، بينما نحن علينا أن نقدر صعوبة المرحلة، ونكتفي بانتظار حلول إبداعية كتلك التي تشبه صناديق المعونة، والقروض الصغيرة، وربما قليل من الدعم للمحروقات الذي ما زال مجرد وعد، وفي طريقه إلى لجان تدرسه، وقد تقره ذات شتاء.

بشتى الأحوال ما زالت أسر كثيرة تدفع باعتراضاتها حول عدم مسحها كفقيرة، وما زالت وزارة العمل تأمل بآليات إبداعية جديدة لإلحاقها بتعداد الفقراء السوريين.

 توصيات بالشدة.. لأجلنا

ولكنني رغم يقيني بأن الحكومة جادة هذه المرة، وذلك لجدية المرحلة وقسوتها.. أعود للتوجس بسبب العبارة التالية للوزير: الحكومة طلبت من وزارة الاقتصاد تشديد الإجراءات لضبط الأسعار ومنع استغلال بعض التجار للظروف الحالية التي تمر بها سورية.

يا لها من عبارة نمطية حفظناها عن ظهر قلب، والوقائع المعاشة تؤكد أن الاحتكار سيد السوق، وأن من ارتهنوا حاجاتنا ما زالوا يرهنونها.. وإلا ما هو مبرر أن يتهم وزير النفط المواطن بالتسبب في أزمة المازوت؟، ولماذا تطير جرة الغاز إلى أسعار جنونية رغم وعده بإنهاء الأزمة خلال خمسة أيام، وها هي في ريف دمشق تباع إن وجدت بـ 500 ليرة،وبعض الموزعين يواعدون زبائن من نوع خاص خارج مراكز التوزيع فقط من أجل بعض الزيادة.. وبالتالي، ليحرموا من لا يستطيع أن يقدم لهم الوعود والإكراميات من حقه بالدفء.

أما على صعيد السلع العادية فتظهر مواد وتختفي ليصار إلى إشاعة فقدانها، وعندما تعود تقدم للمستهلك بسعر جديد يصبح هو السائد الشرعي الذي يجب على المواطن عدم مناقشة شرعيته، وأما من عليه تقع الرقابة وحساب المخالف فلا دور له، وإن تم سؤاله فالإجابة أيضاً أكثر نمطية: «لم يعد دورنا كحكومة في اقتصاد السوق وضع الأسعار».. وهنا يجبأن لا نتجاوز ما لم تعلنه الحكومة على لسان وزير الإعلام في أننا نعيش في اقتصاد أزمة، وليس سوقاً مفتوحاً أفقرنا، وأضعفنا.

 الفساد.. والكسب الحرام

الحكومة أعلنت عن نيتها وذلك في إطار عملية الإصلاح الإداري والوظيفي، وبهدف مكافحة الفساد وتطوير آلية الرقابة العامة، وتعزيز دورها وفق المعايير الدولية أنها ناقشت مشروع قانون يقضي بإحداث هيئة مستقلة تسمى هيئة مكافحة الفساد، وتهدف إلى الوقاية من الفساد ومكافحة جرائمه.

يضحك الموظف (س.ع) من قلبه: يُعد بعض الموظفين الرشوة بمثابة وظيفة أخرى، يعني راتباً آخر يسد الحاجات التي لا يكفيها راتبه الأصلي، و(يغمز) يمكن.. سمعت هذا الكلام سابقاً. موظفو البلديات، والمكاتب الفنية زادت حصصهم في الوضع الراهن.. هذا ما يقوله أحد من استفادوا من تغييب القوانين الناظمة للبناء، وقمع المخالفات التي ازدادت بسببهامساحات القبح والبشاعة.

كما ويدخل الفساد في فلسفة اقتسام الغنيمة على مبدأ (كل وطعميني)، هذه الفلسفة التي لم تغير منها الأزمة العميقة التي تضرب البلاد أي شيء ذي قيمة أو ذي معنى، فالموظف يرتشي ليس من أجله فقط بل من أجل المدير الذي يغمض عينيه بحصة دائمة وليست ثابتة، والمدير من أجل مدير أعلى أو من أجل وزير.. وهكذا...

وهؤلاء لهم منفذون صغار دائماً من بينهم موظفو الكهرباء والهاتف والمياه، وفي هذه الفترة العصيبة يمكن لمراقب الشبكات هذه وبأنواعها أن يرى ولا يفعل، وبعضهم يساعد على اختراق القانون وطرده من بيننا، فموظف طوارئ الكهرباء يمدد الخطوط التي لا يمكن لدوريات الكهرباء ضبطها، وهذه الدوريات لا تطل برأسها إلا بعد انتهاء الدوام.

كما أن الكشافين الكهربائيين لا يراقبون الاستهلاك بل يقدرونه، وهنا يكمن التلاعب المؤقت الذي يعتقد المواطن أنه نجا من فاتورة كبيرة بسبب الكشّاف المتعاطف معه، وأما لعبة الفساد المكملة فتبدأ بعد مفاجأة المواطن بفاتورة كبيرة، وهنا يبدأ بالدفع المتسلسل عبر تقديم طلبات الاعتراض والكشف والتقسيط بالشرائح (التشريح).. ويحظى بالمبلغ الكبير منيهبط بالفاتورة إلى حدودها الدنيا.

بعض موطفي الهاتف يعمد إلى تعطيل خطوط منطقة ما، وهنا (حصل معي) يبدأ بالمناورة من طلب الإصلاح المقدم للمدير وصولاً إلى استرضائه بالقدوم للكشف ومن ثم الإصلاح، وهذا يتطلب دفع بعض المال لأنه لن يحضر في أوقات دوامه. وهذه أسطوانة قديمة قدم تراكم الأزمة، وما تزال تدور وتدور، ولا أحد يعرف متى، أو كيف تنتهي..

من جرائم الفساد الرشوة وصرف النفوذ واختلاس الأموال العامة واستغلال الوظيفة العامة والكسب غير المشروع.. قصص يتداخل فيها متنفّذون مع بعض الصغار، وحماة قانون يبيعونه كأن يطلب شرطي من مشتك رشوة لكي يكتب له ضبطاً، وأن يحصل شرطي على ثمن خرق قانون السير بدل مخالفته، وأن يمد موظف كبير يده إلى صندوق ويضع مكانالمال قراراً، وأن يقبض متصل ثمن هاتف خاص لنقل مدرس أو موظف أو ممرضة..الكسب غير المشروع بشرعية الوظيفة.

بدائل إصلاحية

عندما يقرّ وزير بشجاعة بأخطاء وزارته خطوة باتجاه الإصلاح، ولكن ما لا يمكن توقعه أن تكون البدائل بالعودة إلى مشاريع سابقة تم انتهازها وأثبتت التجارب فشلها، وهنا نستذكر معاً مشاريع الأسر الفقيرة التي ذهبت إلى من يملك الواسطة، وأصبح لها متعهدون يقتسمون مع صاحب المشروع الفكرة وتمويلها.

من أهم الأمثلة على ذلك الإقرار بفشل المسح الاجتماعي، ومديح توزيع المعونة، أخبروني بالله كيف نمتدح أساس بناء هش تم توزيعه على بشر لا يستحقون، وغير عادل.

كيف يمكن أن نوزع بعدل وبكفاءة على من لا يستحق أموال من يستحق وهو خارج المسح.. أليس هذا خللاً من حيث الرؤية.

أيضاً يتم الحديث في وزارة العمل وبين الموظفين عن قانون تقاعد مبكر له من الإيجابيات ما يمكن أن يستفيد منها على الأقل جموع العاطلين عن العمل، وبالوقت نفسه يرفد الدولة ومؤسساتها بكوادر ذات كفاءة عالية، وتواقة لسوق العمل.. ولكن تتعدد السيناريوهات، واللجان، والآليات.. أليس هذا يخدم الفساد.

 

السوريات أولى

بشكل شخصي أرى أن إحلال العاملات السوريات بديلاً عن 182 ألف عاملة أجنبية يعملن كمربيات (خادمات) كبديل وحل لأزمة بطالتهن يحمل الكثير من الإهانة.. وأن وزارة العمل تقوم بدراسة واقعية وعلمية وصحيحة لتنظيم عمل المربيات، ولكن المشكلة في أن القانون مرتبط بأكثر من جهة وزارية..ألا حمل هذا الكلام أحلاماً بعيدة المنال في كون هذهالظاهرة تتعلق بطبقة واحدة لها امتيازاتها.

 

فلاحونا..

تُجمع الدولة ومنظرو الاقتصاد على أننا بلد زراعي بامتياز، وأن %60 من ناتجنا القومي هو للزراعة، وبما أنها كذلك فهي وقودنا لمرحلة حصار الحصار.. وهنا لا بد من التذكير بعشرات الألوف الذين تحولوا من مزارعين إلى عمال مياومين، ومن منتجين إلى سكان خيام ميزتهم أنهم يعيشون في ريف مشابه، لم تحتضنهم المدن ليس من أجل صراعالطبقات، ولكنهم لا يقدرون على حياتها.

 

اقتصاد أزمة.. لا عقوبات

بعيداً عن القادم من أزمات، حان الوقت لأن تفكر الحكومة من منطلق الأزمة وليس العقوبات العربية، وأن المواطن الذي تعدُّه لبنة مقاومة يحتاج إلى من يقدم له أساسيات منعته.. فالسابقات من أزمات الوقت الساكن مرت قاسية فكيف بالقادمات.. هذا في ذمة الحكومة؟