مرضى «الثلاسيميا» يموتون ببطء.. فهل من مجيب؟
يومياً هناك مئات مرضى «الثلاسيميا» بدمشق ينتظرون دورهم في مركز «الزاهرة» بدمشق لضخ دم جديد داخل أجسادهم للبقاء على قيد الحياة، إلا أن الظروف الحالية التي تمر بها سورية جعلت حياتهم على المحك لتعذر الحصول على حاجتهم أو الكمية الكافية
مرض «الثلاسيميا» هو مرض وراثي يؤثر على كريات الدم الحمراء ويخربها بشكل مستمر، وينتج عن ذلك خلل في الجينات ما يسبب فقر دم مزمن غير معدٍ، أساسه تلقي الجنين لمورثين معتلين، أحدهما من الأب والآخر من الأم.
ويحتاج مرضى «الثلاسيميا» لتبديل الدم بشكل متكرر مدى الحياة بمعدل كل أسبوعين أو ثلاثة، من كيس دم واحد إلى كيسين ونصف حسب وزن المريض وحاجته وعدة أمور اعتبارية أخرى.
أعمارهم بدأت بالتآكل..
يعاني «و. ح» من فقر دم حوض البحر المتوسط أو ما يعرف بالـ«ثلاسيميا»، وهو حالياً بعمر الـ16 ولا يعلم أن عمره بدأ بالتآكل تدريجياً مع بداية الأزمة في سورية. ربما لا يعلم الرابط ما بين الأزمة وصحته، لكن أحد الأطباء المطلعين على حال مرضى «الثلاسيميا» في سورية، أكد لـ «قاسيون» بأن «عدم توفر الدم الكافي له ولباقي المرضى وبالصيغة الصحيحة بدأ بإنقاص أعمارهم».
وبحسب بعض المرضى الذين التقت بهم «قاسيون»، فإنهم يعانون صعوبة الحصول على الدم كما أيام الرخاء قبل الأزمة، حيث يرفض بنك الدم تزويدهم حالياً بما يحتاجون إليه بحجة «عدم توفره»، وقد طلب منهم تأمين متبرع دائم لنقل الدم، ما يعجز عنه غالب المرضى كون العملية تستمر مدى الحياة.
«بنك الدم» يعاني فقر الدم!
وبحسب المرضى، سابقاً كانت أكياس الدم تصل من بنك الدم إلى مركز «الثلاسيميا» في منطقة الزاهرة يومياً لتزويدها للمرضى، إلا أن هذا الأمر متوقف حالياً، وقد أشاروا إلى أن «إحدى الجمعيات التي تعنى بشأنهم نظمت حملة للتبرع بالدماء لصالحهم في مركز نقل الدم بجامعة دمشق إلا أن الدماء لم ترسل كاملةً لهم».
طبيب مطلع على حال مرضى «الثلاسيميا» بدمشق ومختص بأمراض الدم، أكد لـ«قاسيون» بأن «الدم الذي يحصل عليه هؤلاء المرضى ونتيجة الفوضى الحاصلة في بعض الأمور، غير منمط وغير مفلتر، وغير صرف، ومخالف للشروط الواجب توافرها كي يحصل عليها المريض، وهي حالياً تؤدي إلى اختلاطات تسبب أمراضاً في القلب والكبد والكلية، وقد نتجت حالات وفاة جراء ذلك».
وتابع «انخفض عدد المتبرعين جداً في بنك الدم، وأحياناً يخلو البنك من الدم نهائياً، ولا يمكن في هذه الحالة تأمين حاجة مرضى الثلاسيميا، ما يدفعهم لجلب متبرعين والحصول على الدم بمواصفات لا تنطبق عليها الشروط، وخاصة أن مركز الزاهرة لا يحوي على تجهيزات تتيح له معالجة كميات الدم هذه».
«دبر حالك»..!
وأردف إن «صعوبة الحصول على الدم، أجبرت المرضى على الاكتفاء بكميات قليلة منه، فبدلاً من كيسين أو كيسين ونصف، قد يحصل المريض على كيس واحد على مبدأ (دبر حالك)، ما يؤدي إلى الانقاص من عمر المريض ومشاكل أخرى دون علمه».
مرضى «الثلاسيميا» بحاجة لأدوية أخرى تعالج الأعراض الجانبية لنقل الدم، حيث أن نقل الدم بانتظام يؤدي إلى تراكم الحديد في الجسم، وظهور أمراض أخرى مثل هشاشة في العظام وضعف عام في الجسم وتأخر البلوغ وتغيّر في شكل عظام الوجه والفكين، ومشاكل في الكبد والقلب.
ولتجنب هذه المخاطر، يحتاج المريض للحصول على حقنة «الديسفيرال»، والتي يتم حقنها عادةً تحت الجلد لطرح الحديد من الجسم، وسابقاً كان المريض الواحد في سورية يحصل على 40 حقنة كل أسبوعين، وبحسب المرضى فإن «الحصول على هذه الحقن أصبح صعباً جداً وبدأ عددها بالتناقص تدريجياً خلال الأزمة التي تمر بها البلاد فمن 40 حقنة حتى 20، وبعدها وصلت إلى 10 حقن فقط»، ما أدى إلى رفع نسب الحديد لدى المرضى بشكل «مخيف».
المصدر السابق أكد بأن «الحقن التي تمنح اليوم للمرضى غير ذات فعالية قوية كما قبل الأزمة، لأن مصدرها اختلف بعد الحصار الاقتصادي على البلاد، فعدا عن نقص عدد الحقن انخفضت فعاليتها».
«الصحة العالمية» رفضت المساعدة!
وعلى هذا، قال رئيس «جمعية أصدقاء مرضى الثلاسيميا وأمراض الدم في سورية» قصي نصر الزير لـ«قاسيون» إن «لكل مريض جرعة من الديسفيرال تحدد حسب الوزن والحاجة، وقد يصل عددها إلى 40، لكن اليوم تمنح هذه الأبر حسب المتوفر وقد تعطى 10 حقن أو أقل وقد لا تكفي لأسبوعين حتى موعد الحقن الأخرى».
وتابع إن «الجمعية حالياً تعاني من ضعف التمويل، وحالياً لا توجد أية مساعدات تقدم لها، وقد حاولنا التواصل مع مكتب منظمة الصحة العالمية لتأمين ما يلزم للمرضى إلا أنهم رفضوا بحجة التزامهم بتوفير الدعم لما يهدد الحياة بشكل ملح وليس الأمراض المزمنة».
وأردف «كنا سابقاً نرعى أي مراجع من المرضى من الفحص والتحاليل والدم والدواء، أما اليوم فخدمات الجمعية اقتصرت على تقديم المشورة الطبية» مشيراً إلى أن «الجهات الطبية الرسمية تعجز عن تأمين ما يلزم لهؤلاء المرضى كما السابق فكيف نستطيع نحن»؟
وحول مركز الثلاسيميا في منطقة الزاهرة الوحيد في دمشق، قال نصر الزير إن «المركز كان يصنف بخدماته على أنه 5 نجوم، لكنه اليوم -10 نجوم، كونه لم يعد قادراً على تقديم الخدمات اللازمة».
«الديسفيرال» بـ270 ألف شهرياً
ونوه نصر الزير إلى أن المرضى من الأوساط المادية الغنية يلجؤون إلى المشافي الخاصة لنقل الدم وفلترته، وذلك بعد شراء الدم أو تأمين متبرعين، مشيراً إلى أن «سعر علبة الديسفيرال قد تصل إلى 600 دولار أميركي، والمريض الواحد بحاجة لعلبة أو علبتين في الشهر الواحد أي ما تكلفته حوالي 270 ألف ليرة سورية، ما يعني استحالة الحصول عليها حتى لو كان المريض من العائلات الميسورة».
ولا يمكن حصر عدد المصابين بمرض «الثلاسيميا» في سورية حالياً بحسب نصر الزير، وقال «إن أكبر عدد من مرضى الثلاسيميا متواجدون حالياً في مناطق يصعب وصول العلاج إليهم أو وصولهم إلى مراكز العلاج كمدينة دوما والغوطة ومناطق أخرى من ريف دمشق، إضافة للمرضى المتواجدين في المحافظات الشمالية والشرقية كالرقة و دير الزور».
لا إحصاء للضحايا والمصابين
وأضاف الزير، إن الإحصائيات الموجودة حالياً حول الرقم الحقيقي لمرضى «الثلاسيميا» لا تعبر عن العدد الحقيقي لهم، بسبب ضعف التواصل مع عدد من المحافظات، إذ قد يصل عددهم إلى 10 آلاف مريض، لكن سفر بعضهم إلى الخارج ووفاة بعضهم دون القدرة على توثيق ذلك، إضافة إلى وصول بعض النازحين إلى دمشق، ما أعاق عملية الإحصاء.
وقال وزير الصحة سعد النايف مؤخراً، «إن الوزارة تنفق على علاج الأمراض السارية والمزمنة أكثر من 10 مليارات ليرة سنوياً»، مؤكداً على أن الوزارة مستمرة بتقديم الخدمات الطبية مجاناً لمرضى الأمراض السارية والمزمنة رغم تكلفتها.
وبيّن أن الوزارة سلمت مركز «الثلاسيميا» في مبنى العيادات الشاملة بالزاهرة مؤخراً تجهيزات وأجهزة طبية تقدر قيمتها بنحو 12 مليون ليرة، لتعزيز قدرته على استيعاب الأعباء المتزايدة المترتبة عليه نتيجة الظروف الراهنة.