تحذير
  • JUser: :_load: غير قادر على استدعاء المستخدم برقم التعريف: 177
الفلاحون و«الأزمة»... إذا خسر الفلاح.. خسرت الدولة!

الفلاحون و«الأزمة»... إذا خسر الفلاح.. خسرت الدولة!

لم تثلج أمطار شهر آذار المتساقطة صدور فلاحي سورية، فالجفاف وارتفاع أسعار مستلزمات العملية الزراعية والظروف الأمنية أدت إلى خروج مساحات واسعة من الأراضي الزراعية السورية عن نطاق الاستثمار، إضافة إلى التهجير والنزوح الذي رتب أعباء جديدة على كاهل الفلاح. جعل عمل زراعة الأرض أشبه بالمقامرة

مما دفع بعدد كبير من الفلاحين بالإحجام عن الزراعة خوفاً من عام جديد لا يعرف ما هي نتائج موسمه. فهل ستفقد سورية غطاءها الأخضر وإحدى ميزاتها، وأحد مصادر ما تبقى من أمنها الغذائي؟

عجز أمام الظروف..

انتظر أهالي إحدى قرى القنيطرة الساعة التي بات من الممكن فيها العودة إلى أراضيهم بفارغ الصبر بعد أن هجروا من قريتهم قبل عام كامل، معظم الأراضي الزراعية في القرية قد احترقت بشكل كامل أو بشكل جزئي فلم تسلم كروم العنب والزيتون المعمر أو التين أو الكرز من ألسنة النار، وكذلك الأراضي التي كانت مزروعة بالقمح وغيره من الحبوب والتي لم يتمكن أصحابها من حصادها،
يقول «خليل. ع» لـ«قاسيون»، وهو فلاح من إحدى قرى القنيطرة، «خرجنا من بيوتنا قبل عام تقريباً، ولم نتمكن من العودة إلى أراضينا لحصادها أو حراثتها وإزالة الأعشاب الضارة منها ما أدى إلى نمو هذه الأعشاب. وفي فصل الصيف ونتيجة الاشتباكات الدائرة احترقت أراضينا وبقيت مشتعلة لمدة ثلاثة أيام ولم يتمكن أحد من إخماد النار التي أكلت جنى عمرنا وعمر أجدادنا».

رغم المأساة الأرض «كريمة»

وعن إمكانية حراثة الأراضي مرة ثانية، تحدث «خليل» قائلاً «نحن نحاول أن نحصي الأضرار التي لحقت بنا، ولا أظن أن هناك من يستطيع أن يحرث أو يزرع هذا العام فمعظم أهالي القرية هم فلاحون ولا يملكون مدخولاً ثانياً يسد احتياجاتهم سوى ما تنتجه الأرض، وبعد نزوح لمدة عام خسر معظمنا المدخرات التي كان يمتلكها، ولم يعد يملك نقوداً ليشتري بها بذاراً أو يدفع أجرة حراثة الأرض أو أجرة  اليد العاملة التي باتت نادرة».
في الطرف الثاني من القرية تحاول عائلة «أبو جميل» جمع ثمار الزيتون المتساقطة تحت الأشجار. فتقول «أم جميل»، وهي تشرح معاناة عائلتها، «احترق عدد من أشجار الزيتون التي نملكها، وسنقوم بقطعها»، وتتابع «هذه الأرض أرض كريمة، فنحن في أواخر شهر آذار ومع ذلك نجد هذه الأرض حفظت لنا حبات الزيتون التي سقطت كي نعصرها ونستفيد منها بعد أن أصبحت غير صالحة للأكل المباشر».
وتضيف «نحن نستيقظ قبل طلوع الشمس ونبقى حتى المغيب ونعمل على أنوار السيارات كي نجمع أكبر قدر ممكن من الثمار المتساقطة خوفاً من تجدد الاشتباكات في أي وقت، خاصة أننا لم نجد أي ورشة عمالية تساعدنا على العمل، وهناك من طالب أن نتقاسم معه الحب الذي سنجمعه مناصفة بدلاً من أجرة عمله، وخاصة أن صفيحة زيت الزيتون (16) كيلو بيعت هذا العام بأكثر من عشرة آلاف ل.س».

التكاليف المرتفعة والأعباء الإضافية

يحاول الفلاحون في درعا اللحاق بموسم زرع الخضروات لهذا العام. فيتحدث الفلاح «أحمد .س» عن الصعوبات والتكاليف المرتفعة التي يعانونها قائلاً «نحن نعاني منذ عامين من ارتفاع أسعار المواد الزراعية من شتل وأسمدة، كما ارتفعت أجرة اليد العاملة خمسة أضعاف عما كانت عليه قبل ثلاث سنوات...».
ويتابع «نحن كفلاحين بتنا الخاسر الأكبر من هذه العملية حيث نزرع ونحصد ونتحمل الجزء الأكبر من الخسارة. وأضاف «يزيد على هذه العوامل هذا العام شح الأمطار التي كانت متوقعة، مما أثر بشكل سلبي على المحاصيل البعلية والمروية المزروعة في المحافظة، مما ينبئ بموسم غير جيد لهذا العام وبالتالي ارتفاع الأسعار».
وأكد «أحمد» إصرارهم على البقاء رغم المأساة وتجاهل الجهات الحكومية لهم في ختام حديثه «لن نغادر أراضينا طالما استطعنا البقاء فيها لأن الفلاح يموت عندما يبتعد عن أرضه، لذلك نحن بحاجة شديدة للدعم الذي تعدنا به الحكومة وخاصة في موضوع مادة المازوت التي باتت تشكل عنصراً رئيسياً في حياة الفلاح والتي وصل سعر الليتر الواحد إلى أكثر من مئة ليرة إضافة إلى ارتفاع أسعار الأسمدة والمبيدات الحشرية التي تؤثر على جودة المنتج الزراعي، وقد تلقينا وعوداً كثيرة من أكثر من جهة حكومية للمساعدة لكن إلى اليوم لم نشاهد شيئاً على أرض الواقع».

إصرار على الاستمرار..

رغم المعاناة التي يعاني منها مزارعو الحسكة من تأخر وصول مستلزمات العملية الزراعية إليهم وارتفاع أسعار المستلزمات بشكل جنوني في حال وصلت، إلى جانب السرقات التي حصلت العام الماضي لبعض المحاصيل من بعض الجماعات المسلحة، فإن مزارعي الحسكة لن يتركوا أراضيهم بوراً.
يقول «أيهم .م»، فلاح من إحدى قرى محافظة الحسكة، «إذا توقفنا عن زراعة أرضنا لن نتمكن من العيش، وكل ما نحتاجه هو وصول الدعم الذي وعدنا به من قبل، كما أننا نحتاج إلى العمل الحقيقي على تخفيض أسعار مستلزمات الإنتاج من بذار وأسمدة ومبيدات حشرية، كما أنه تم وعدنا بسعر معين للمازوت لكن هذه الوعود لم تتحقق، حيث قفزت الأسعار إلى أكثر من أربعة أضعاف مما كانت عليه في السنوات السابقة فالبذار الآلي للقطن كان يكلف أقل من أربعمائة ليرة سورية للهكتار الواحد وبات اليوم يكلف أكثر من ثمانمائة ليرة سورية. وعند التسويق لا يرضى التاجر أن يعطي الفلاح حقه كل هذه العوامل دفعت بعدد من الفلاحين لعدم المغامرة بزراعة أراضيهم لهذا العام».

اتحاد الفلاحين والدعم الموعود؟!

في حديث له مع «قاسيون» اعتبر الأستاذ علي حبيب عيسى رئيس مكتب الشؤون الزراعية بالاتحاد العام للفلاحين، أن الفلاح هو العنصر الذي ثبت في الأرض وعمل على تثبيت هويتها وصمد في أرضه، في حين شهدنا انسحاب عدد كبير من الفعاليات الاقتصادية السورية الأخرى. وقال عيسى «نحن في الاتحاد العام للفلاحين نعمل على أن نكون صلة الوصل بين الفلاح والجهات الحكومية المختلفة فنحن نضم (146393) عضواً في الاتحاد، ونعمل مع شركاء لنا هم وزارة الزراعة ووزارة المالية ووزارة الاقتصاد ووزارة الري، وهناك صندوق لدعم الفلاحين المتضررين من الكوارث الطبيعية ويعوض الفلاح بنسبة 10%من قيمة مستلزمات الإنتاج للفلاح المتضرر».
وعن الأراضي والإنتاج المتوقع للعام 2014 قال عيسى «إن الأراضي المستثمرة سقي 1564 ألف هكتار والبعل 4184.4 ألف هكتار ومساحة القمح السقي808783 ألف هكتار والإنتاج المتوقع 3055085 طناً. ومساحة القمح البعل 784031 ألف هكتار والإنتاج المتوقع 554011 طناً، وعن مادة الشعير المزروع بعل زرعت مساحة 1069555هكتاراً والإنتاج المتوقع هو 632863 طناً، والشعير المروي زرعت مساحة 63320 هكتار والإنتاج المتوقع 95188 طناً».
وأضاف عيسى «إن أسعار مستلزمات الإنتاج قفزت أضعاف مضاعفة بعد الأزمة حيث كان سعر طن الواحد من بذار القمح الطري يباع بـ(19000) عام 2010 بينما يباع حالياً بـ(33000) ل.س كما أن مادة متوسط سماد الآزوت كان يباع بـ(13240) ل.س للطن، أما هذا العام فأنه يباع بـ(36500) ل.س للطن الواحد. مما يترك الفلاح وحيداً تحت ضغوط كبيرة ليست التكاليف المالية آخرها مما يستوجب على الجميع تقديم الدعم له كي يستمر ويصمد في أرضه».
وبعد، إن أي خسارة للفلاح تعني خسارة الدولة، لقد ساهمت سياسات اللبرلة الاقتصادية في السنوات الماضية في تراجع حاد في الإنتاج الزراعي، الأمر الذي أثّر سلباً على الاقتصاد الوطني بشكل عام، وعلى مستوى معيشة الفلاحين بشكل خاص، وتفاقمت المشكلة في ظل الأزمة الراهنة أكثر فأكثر الأمر الذي يتطلب رغم كل التعقيدات التي أفرزتها الأزمة، الالتفات إلى مشاكل هذا القطاع الحيوي ومعالجتها باتخاذ سياسات اقتصادية وطنية فعّالة.