الناطق الرسمي!!
محمد عصام زغلول محمد عصام زغلول

الناطق الرسمي!!

إذا أردت أن تعرف ماذا يجري في سورية فعليك أن تسمع إذاعة لندن، وإذا أردت أن تعرف ماذا يجري في حارتك فافتح قناة سيراليون..

أما إن كنت نبيهاً وحويطاً، ولك مصادرك ونوافذك، فعرفت ماذا يجري وأين يجري.. ثم أحببت أن تعلق أو تنتقد أو توجه ما تراه خطأً للصواب، فهذا لك متاح، باعتبار أننا نعيش في ظل ديمقراطية مفتوحة، ولكن لا تتوقع أبداً أن يستمع أحد لك أو يعطيك أذُناً، وإن حصل ذات مرة وقـُرأت مقالتك أو وصلت شكواك، فتلك هي نهاية المطاف.

لأنك ستـُحسب على غير العاقلين إن توقعت أن يأتيك رد أو تصريح أو تعليق من أية جهة رسمية، سواء كان مسؤولاً أو وزيراً أو ناطقاً.

والشيء بالشيء يذكر، فهل يعلم أحدكم أننا في البلاد نمتلك منصباً كهذا؟ هل يوجد (ناطق باسم الحكومة السورية) للداخل.. لا للخارج؟!

هل يوجد من يرفع صوت الحكومة إجابة وشرحاً وتوضيحاً لكل ما تجود به أقلام الصحفيين والكتاب والنقاد والمتفذلكين!!

وردني أن لدى حكومتنا ناطقاً باسمها، لكنه وللأسف الشديد أصيب منذ فترة طويلة بحادث ذهب بصوته، وكما هو معلوم لا تستطيع الحكومة نقله فضلاً عن إحالته إلى التقاعد احتراماً له ولخدماته الجليلة التي قدمها على مدار عشرات السنين، من مواقف مشهود لها بالحكمة والسكينة!!

يروى في بعض البلدان المتخلفة والتي لم تصلها الحضارة بعد.. أن أدنى مشكلة أو مقالة، قد تـُخرج مسؤولاً خلال دقائق إلى باحته الخلفية، ليعبر للصحافة- المتخلفة أيضاً- عن حقيقة المشكلة ورؤيته لها، والحلول التي يعمل مع فريقه على دراستها ومن ثم تطبيقها!

ذاك إنما يحدث فقط في الدول المتخلفة بينما لدينا الأمر مختلف، فالأمثال العربية تدعو للصمت وفضائله، وهي كثيرة لن أستعرضها جميعاً لكنك سترى مجملها حين تدخل الدوائر الوزارية وهي معلقة مع- براويظ- كبيرة في مكاتب الوزراء.. مثل:

الصمت مفتاح الفرج!

بالصمت تدوم النعم!

اصمت أكثر تأكل سكر!

الصمت تاج على رؤوس الأصحاء لا يعرفه إلا الثرثارون!!

وإلى ما هنالك من تمجيد وتمكين لحالات الصمت المفيدة والتي لا تستغني عنها حكومتنا البتة، لا بل تضعها تاجاً على رأسها!

هل- يا ترى- من المناسب أن تكتب «قاسيون» شكوى عن قرية تمكن فيها الفاسدون، أو حارة هجم فيها الماء المالح على ماء الشرب؟ أو أن تكتب مقالة عن كازينو- للقمرجية- فينتفض المسؤولون إلى باحاتهم الخلفية ليتكلموا إلى الصحافة ويوضحوا مواقفهم الرسمية والشخصية عن كل ذلك؟!

أظنها غير مناسبة، أو لعل- وكما يقول البعض- معظم مسؤولينا لغتهم «مفركشة» ويخجلون منها، حتى أن بعضهم لا يستطيع تركيب جملة متناسقة، وأنا- بنفسي- أرد على هذا، فمعظم مسؤولينا من حملة الشهادات العليا، وأعمالهم ونشاطاتهم العلمية والعملية أبين دليل على ذلك!!

وقد ثبت في النهاية أن المشكلة ليست بأن الناطق أبكم ولا بأن المسؤولين لغتهم مفركشة، ولا حتى بأن الحكومة تتهرب من لقاء المواطنين وحوارهم، لكن المشكلة التي منعتهم من الحوار طوال هذه المدة والتي عجزوا عن وضع الحلول لها- وهي بحق مشكلة عويصة- أن معظم مسؤولينا ليس لديهم في مبانيهم باحة خلفية ليتحدثوا إلى الصحافة!!

فيا أيها الصحفيون الكرام خففوا عن مسؤولينا وناطقيهم وتحولوا إلى المحافظة مطالبين بإنشاء باحات خلفية.. علنا نمتع أنظارنا وأسماعنا بوجوه وردود رجالات الحكومة!!