الحزن لسورية..
محمد ذياب محمد ذياب

الحزن لسورية..

«الحزن لسورية وللجمهور السوري..»، جملة صدرت عفواً عن معلّق رياضي عربي أعلن فيها خروج المنتخب السوري البائس من التنافس البائس على كأس آسيا البائسة على الرغم من أدائه الاستثنائي «منطقياً» ونجومية لاعبيه «طبيعياً»، وهذا الشيء أمر طبيعي قياساً مع ما بذل على المنتخب السوري جهداً وإنفاقاً.

اللاعبون، بعد أن وُعد كل منهم بشقة في تنظيم كفرسوسة وبمليون دولار للمنتخب إذا ما وصلوا إلى الدور النهائي، بذلوا ما في وسعهم للبقاء في هذه المنافسة، مثلما يبذل المواطن السوري ما في جيبه لشراء ورقة يانصيب رأس السنة. ولكن من يقهر الحزن؟ وهل يكفي إطلاق هذا الوعد لإزالة المتراكم من التعب والهزيمة الكرويين؟

الجواب ليس عند اللاعبين، بل عند من وعد اللاعبين بهذا اليانصيب الكروي، فهو يعرف جيداً أن (العليق عند الغارة لا ينفع)، وأن المنتخب لن يحوز لقب الوصول إلى النهائي، وإن حازه -وهذا مخالف للقوانين الفيزيولوجية والنفسية للاعبين- فسيكفيهم دخول موسوعة غينيس لتحقيق المعجزات، بينما ستنام الوعود بسهولة إلى جانب أخواتها في الأدراج والمكاتب.

ولكَم تعاطف الجمهور السوري الحزين مع لاعبي منتخبه وأنديته الذين لطالما تعاطوا كرة القدم بعد الظهر بينما كانوا يمارسون قبل الظهر رياضاتٍ أخرى: نجارة بيتون- حدّادة- عتالة- كوميكية في مطاعم أو بياعين على البسطة وغيرها الكثير من الرياضاتٍِ السورية الحزينة، والتي يصعب شرحها..

كان ذلك قبل أن تنتشل بعضهم الأندية العربية والعالمية بعملاتها الصعبة أو يبتلعهم الفقر بملاعبه السوداء، ويضمّهم إلى بقية الجمهور لتبدأ مباراةٍ شاقة بلا كرة هذه المرّة، ويشترك فيها الجميع بمواجهة بؤسهم.

هذا التعاطف والصفح المستمر، بل وحتى المواساة من جانب الجمهور للاعبين بعد كل خسارة، ينم عن التفهم العميق لدى هذا الجمهور، على مبدأ (الحال من بعضه)، لا بل تراه يكتفي بأمجاد فوز سورية على فرنسا في دورة المتوسط 1987، والترحم على أيام غادة شعاع بعد أن فعلت بها (الأيام) ما فعلت، فهذا الجمهور يعرف جيداً أن حزن الرياضيين ليس إلا جزءاً يسيرا من الحزن الرسمي العام لرأس المال البشري الغني لبلادنا مقارنة مع المحيط الإقليمي على سبيل المثال، والذي يعود غناه إلى ماضي هذه البلاد بالتحديد، وليس لأي شيء آخر..

فالحزن للطلاب على جامعات فيها العلم أشبه بمعاملة دولة في أروقة الكليات والمعاهد، ومع ذلك تجد الطالب يبذل جهداً (استثنائياً) على طول الخط على طريقة اللاعب السوري الموعود لكي يجود عليه القطاع الخاص في المحصلة بعرضه الخاص لخريّجي الجامعات: (فرصتي عمل بالوقت نفسه مقابل راتب يؤمن ربع حياة كريمة)، أو يهرب إلى الخارج، فهناك سيجد من يحترمه ويقدّره. الحزن للمثقفين والفنانين في واقع ثقافة وفن إما أن تكون فيه مسطّحاً أو مجوّفاً، وإما أن تجد عملاً آخر دون وجع رأس.. الحزن للسياسة وللسياسيين في بلد لك أن تفتح فيه أي شيء إلا فمك... والحزن كثير...

ولكن أليس (على هذه الأرض ما يستحق الدعم)؟ أما من شيء يدعم في هذه البلاد؟

-نعم: السياحة والمطاعم والكازينوهات والبورصة ورجال الأعمال وسيدات الأعمال والدعارة والدراما السورية والتركية... وكل الأشياء الجاذبة للاستثمارات، ولكنها لا تجلب الأموال إلى الخزينة.

أما الفقراء والطلاب والعمال والرياضيون والمثقفون والمبدعون والفنانون والأدباء والمسرحيون... فلينتظروا حتى يمشي سوقهم فيأتي من يستثمرهم أو يشتريهم أو يكتريهم..

وحزن هؤلاء ثقيل لا شك، وللحزن ألوان، وحزنهم له لون أنطونيو غرامشي حينما كتب: «تشاؤم الفكر هو تفاؤل الإرادة».

فهل علينا دائماً أن نخسر مبارياتنا؟