الحصانة.. طوق النجاة
تعتبر «الحصانة» من النظام العام ومخالفتها تؤدي لبطلان الحكم، ويجوز إثارتها في أية مرحلة من مراحل الدعوى حتى ولو لأول مرة أمام محكمة النقض، وهي شخصية ولا تشمل غير المحصن، هذا في العموم، ولكل من الوزراء وأعضاء مجلس الشعب والقضاة وموظفي السلك الخارجي وحتى الموظفين العموميين حصانة معينة نص عليها القانون. وما يهمنا الآن حصانة الوزراء، فما هو المعنى القانوني لذلك؟
نقول: يُسأل رئيس مجلس الوزراء والوزراء أمام رئيس الجمهورية حصراً, حيث يعتبر الوزير الرئيس الإداري الأعلى لوزارته ويتولى السياسة العامة للدولة فيما يختص بوزارته ولكن لا يحق له أثناء توليه مهامه أن يتدخل في التعهدات أو المناقصات أو المزاودات التي تنفذها الدولة.
ولا تملك النيابة العامة تحريك دعوى الحق العام قبل حصولها على إذن من رئيس الجمهورية. وتتم إحالة الوزير إلى المحاكمة عما يرتكبه من جرائم أثناء توليه مهامه أو بسببها وفقا لأحكام الدستور والقانون باعتبار أن القانون هو الذي يحدد مسؤولية الوزير المدنية والجزائية. وفي حال اتهامه يوقف الوزير المتهم عن العمل إلى أن تبت المحكمة في التهمة المنسوبة إليه، ولا تمنع استقالته أو إقالته من محاكمته وتكون المحاكمة وإجراءاتها وفقاً للقانون.
وهنا بالتحديد يظهر إلى السطح تساؤلات مشروعة بل وبكامل التعجب نستطيع أن نسأل: هل الوزراء الذين أصدروا قرارات خاطئة كانت نتيجتها ظلماً وحيفاً وأذى لحق من مستهم تلك القرارات، هل هؤلاء الوزراء بعيدون عن ميدان التجريم نتيجة أعمالهم وقراراتهم؟!
حسب المنطق القانوني، بالتأكيد يكون المرء مسؤولاً عما يُلحِق بالغير من أذى ويجب مساءلته. وأحد أوجه الفساد هو التلطي خلف «الحصانة» وجعلها درعاً للحماية والإفلات من العقاب، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن لا نستطيع محاكمة وزير ما إلا بعد رفع الغطاء السياسي عنه.
وفي هذا الشأن أرى من الضروري منح النيابة العامة صلاحيات أوسع بما يخص تحريك دعوى الحق العام لملاحقة الوزراء.
وقد صدرت عن وزراء سابقين قرارات ما أنزل الله بها من سلطان خربت بيوت مواطنين، ولا يزال هؤلاء الوزراء يسرحون ويمرحون دون محاسبة. وكثير من الوزراء كانوا عرّابين لقوانين رجعية وظالمة بل وبائسة مثل قانون العمل الحالي وبقوا دون محاسبة ولا معاقبة!!
وختاماً لا بد من إطلاق يد النيابة العامة والقضاء بتحريك دعوى الحق العام حين توفر شروطها دون إجراءات شكلية تمنح فرصة الهروب للفاسد، وهذا حقنا نحن الشعب.