من الذاكرة: وزال الاستغراب
كما في العبارات الشائعة في الحكايات القديمة التي تدور حول الترحال والتطواف والسفر في أرجاء المعمورة.. من مثل «حملته قدماه» حملتني قدماي «بل الميكرو باص» إلى حي مشروع دمر تلبية لدعوة أحد الرفاق القدامى لزيارته في بيته, وبعد التحية والترحاب والتعارف كوني ألتقي به لأول مرة. خضنا مباشرة في أحاديث جلها يتناول الوضع الراهن والأزمة الدامية التي تجثم بثقلها على صدر شعبنا.
وقد تبيّن لي بوضوح ومن خلال حديثه استيعابه لسياسة حزب الإرادة الشعبية وقناعته الواعية بصوابها, فقد قال إنه يتابع باستمرار صحيفة «قاسيون» وكل ما يصدر عن الحزب من وثائق وأدبيات ولا تفوته أية مقابلة للرفاق مع محطات الإذاعة وشاشات التلفزيون التي تعكس بجلاء رؤيتنا للواقع داخلياً وإقليمياً ودولياً, وبخاصة ما يجري في أجواء مؤتمر «جنيف-2» وغيره من ميادين العمل السياسي المرافق لتلك الأجواء, وقد توافقنا في أن للحياة دائماً منطقاً تفرضه على الجميع طال الزمن أم قصر, ويتجسد ذلك المنطق في الحالة السورية بوحدانية الحل السياسي الذي يكمن نجاحه في تحقيق مهامه الأساسية في وقف التدخل الخارجي بشتى أشكاله ووقف العنف وإطلاق العملية السياسية, وقد لفت اهتمامي «استغرابه» من أن يجري الرفاق مقابلات مع محطات تلفزة معادية وذكر مثالاً على ذلك مقابلة الرفيق قدري جميل مع محطة العربية «التي وسمها بالعبرية»، وكان لا بد من مناقشة هذا الاستغراب وكان الحوار التالي:
- هل تابعت المقابلة كلها؟
- نعم من أول حرف إلى أخر حرف!
- ما تقييمك لفحوى المقابلة؟
- رائع جداً.. ولا تحفظ لدي على أي كلمة قيلت, لكن استغرابي لكونها قناة متآمرة عدوة..
ثم عدنا بالذاكرة إلى عهود العمل السري أيام الديكتاتوريات واستعرضنا ما قام به الرفاق باستخدام ما أتيح لهم من وسائل وأساليب لإيصال سياسة الحزب إلى الجماهير الشعبية.. وذكرته بما تعلمناه في أن لا يتردد الشيوعي عن استخدام أي «منبر» يصل إليه حتى في أسوأ أيام الرجعية والحكم الديكتاتوري.. وذكرته بما ورد في كتاب «من تجربة العمل التنظيمي» عن موقف الشيوعيين ولاسيما الكوادر منهم أمام التحقيق والمحاكم, بشرح سياسة الحزب والدفاع عنها فكيف بنا إن كان المجال أرحب بما لا يقاس في إيصال سياستنا إلى أوسع نطاق.. بالطرح السليم والدقيق والمشرف لرؤية الحزب للصراع الدائر وآفاق المستقبل الذي نطمح ونعمل للوصول إليه.
أليس هذا صحيحاً؟ قال بلى.. لقد توضح الأمر وكما يقال «لا يصح إلا الصحيح»!