في الحسكة... «مجرمون» خارج السجون
قحطان العبوش قحطان العبوش

في الحسكة... «مجرمون» خارج السجون

لن تكون جريمة القتل، التي شهدتها قرية «القصير» في ريف مدينة القامشلي الشهر الماضي، الأخيرة في ظل غياب كامل لجهاز الأمن الجنائي عن ملاحقة القتلة في محافظة تشهد الكثير من حالات القتل في الريف المحكوم بعادات وتقاليد الثأر والانتقام

قُتل شخص في مشاجرة عائلية في القرية وأصيب آخر، وأحرق ذوو القتيل منازل عائلة المتهم بالقتل في رد فعل يشجعه عدم تدخل الأمن الجنائي، ولا تنتهي هذه المشاكل عادة عند هذا الحد، حيث يجد ذوو المقتول أنفسهم مضطرين للثأر من القاتل الطليق.

جرائم مستمرة و«الجنائي» غائب

لا يوجد إحصائية رسمية لعدد جرائم القتل المرتكبة في المحافظة خلال السنوات الثلاث الماضية بسبب ظروف الأزمة التي تعيشها البلاد. وتمنع الأوضاع الأمنية المعقدة والمركبة في المحافظة رصد العدد الدقيق لجرائم القتل، لكن الترابط الاجتماعي بين سكان المحافظة المرتبط بالعشيرة والطائفة والعائلة الكبيرة يتيح معرفة وتسجيل حالات كثيرة بعضها سجل سقوط أكثر من قتيل في جريمة واحدة مازال القتلة فيها خارج السجون.
وقتل أربعة أشخاص في مشاجرة بين عائلتين في بلدة «القحطانية» في شهر آب الماضي استخدمت فيها كل أنواع الأسلحة الخفيفة، وأسعف المصابون إلى مشافي مدينة القامشلي دون أن يتم توقيف أي شخص مرتبط بالجريمة في إعلان صريح لغياب أي محاسبة أو تحقيق أو سجن.

حرب «جنائية» تجري في الظل

تصنف غالبية مدن وبلدات المحافظة كمناطق آمنة، لكن دور الأمن الجنائي يغيب بشكل كامل عن متابعة جرائم القتل والسرقة والاختطاف، ويلجأ الأهالي لاسترجاع حقوقهم أو مخطوفيهم بشكل شخصي، وبجانب حرب عسكرية تشهدها بعض بلدات المحافظة وتحظى بتغطية إعلامية مفصلة، تجري حرب جنائية أخرى لا تخضع لأي قانون، وتكون شرارتها خلافات شخصية بسيطة تتطور لحد استخدام السلاح.
ولا يلقى هذا النوع من الجرائم أي اهتمام إعلامي أو اجتماعي في بلد يعيش حالة حرب، ويسجل عشرات القتلى بشكل يومي على خلفية الصراع الدائر في البلاد، وتنعكس هذه الجرائم بشكل خاص على عائلتي القاتل والمقتول الكبيرتين.
وفي ريف محكوم بالعادات والتقاليد يصبح كل أفراد عائلة القاتل بغض النظر عن صلة القربى هدفاً للقتل، ما يضطر عشرات العائلات لمغادرة منازلها واللجوء لقرية أو بلدة بعيدة في نزوح من نوع خاص لا يلقى أي اهتمام.
وساعد غياب دور الأمن الجنائي غير المفهوم، على انتشار ظاهرة حمل السلاح الفردي، كما ساعدت حالة الصراع الدموي في البلاد على انتشار ثقافة القتل ولاسيما في ريف المحافظة الأقل تعليماً وثقافةً.

عواقب الانقسام المستجد

وبجانب انقسام مجتمعي سياسي «وهمي» يعتمد على ثنائية موالٍ ومعارض، يتعزز انقسام جديد في المحافظة بين العائلات التي تتطور مشاجرات أفرادها العادية إلى حد القتل، وهو انقسام تغذيه العادات والتقاليد ولاسيما الثأر، ولا يحمل أي دلالات سياسية، كما أن الحل المتأخر لمثل هذه الجرائم لا يرتبط بأي مصالحة وطنية بقدر ما يرتبط بمحاكمة القاتل أولاً، ومن ثم العمل على مصالحة العائلات بتدخل الوجهاء والشخصيات الاعتبارية ورجال الدين وشيوخ العشائر.
ويمكن حصر مجموعة من العواقب التي تخلفها كل جريمة قتل بين عائلتين تتثمل بالنزوح الجماعي لعائلة القاتل الكبيرة التي قد يصل عدد أفرادها إلى 100 شخص في الحد الأدنى، بعيداً عن مكان إقامة عائلة القتيل، وعدم القدرة على مزاولة العمل أو الدراسة ولاسيما طلاب الجامعة، حيث يصبح كل ذكر من عائلة القاتل هدفاً مشروعاً للثأر.