«برد الشتاء» يشارك في الأزمة السورية ليطال خيام اللجوء والنزوح ويزيد من ألم الحصار..

«برد الشتاء» يشارك في الأزمة السورية ليطال خيام اللجوء والنزوح ويزيد من ألم الحصار..

«في إحدى زوايا الطابق ما قبل الأخير بمدرسة مأمون منصور في منطقة المزة بدمشق، وضمن مساحة لا تتجاوز الثلاثة أمتار، تقطن عائلة مكونة من 7 أشخاص افترشوا البطانيات على الأرض دون مدفأة أو سجاد، يعانون البرد الذي عجزت على رده الألواح البلاستيكية والتي حلّت محل الجدران» بحسب ماوثقه أحد المتطوعين بالجمعيات بدمشق في حديثه لصحيفة «قاسيون»

وتابع المتطوع مفضلاً عدم الكشف عن اسمه إن «رب العائلة عاجز ولا يقوى على العمل، والأم تعمل حوالي 9 ساعات يومياً مقابل 200 ليرة، في حين تعاني ابنتهم من جرح لا يلتئم من شدة البرودة وضيق المكان الذي لا يتسع لمدفأة، في حين تنعم أسر أخرى وفي المركز ذاته بغرف مجهزة ودافئة» مؤكداً أن «هذه الحالة مجرد مثال على عشرات الحالات المأساوية في مراكز الإيواء والتي تعاني البرد والفقر وقلة الدعم والحيلة».
الشتاء شريك في الأزمة
ضرب فصل الشتاء السوريين بقسوة، وشارك بمأساة آلاف الأسر في الداخل والخارج، فوسائل التدفئة صعبة المنال والنزوح والتشرد والحصار فاقم الوضع من الناحية الإنسانية وزاد من برودة الشتاء وقعاً على هؤلاء.
«قاسيون» حاولت رصد بعض حالات الأسر النازحة في مراكز الإيواء وبعض المناطق المحاصرة بعد العاصفة الثلجية الأخيرة، وقال مصدر مطلع لصحيفة «قاسيون» إن «مراكز الإيواء بدمشق في الأحوال العادية تشهد تفاوتاً في الاهتمام وتلبية الحاجات، في حين يكون مستوى الخدمات في بعض المراكز معقولاً نجد مراكز أخرى مثل مدارس منطقة الزاهرة تشكو من الإهمال وسوء التخديم والتنظيم وقلة المساعدات».

أقبية اللجوء الباردة

وأضاف إن «الاستعداد لموجة البرد الأخيرة كان متفاوتاً بتفاوت نجوم مراكز الإيواء إن صح التعبير، وكانت أكثر الحالات مأساوية هي أقبية لجوء في منطقة كفر سوسة فتحت أبوابها لنازحي المناطق المحيطة مثل داريا، ويبلغ عددها حوالي 22 قبواً لا يرى النور ويعاني شدة البرد وقلة الدعم».
وتابع «هناك أعداد كبيرة من النازحين في هذه الأقبية الباردة التي يضم الواحد منها حوالي 20 عائلة أو قرابة 150 شخصاً يجلسون على الأرض العارية، ومنهم من وضع بطانيات لدرء البرد والرطوبة المزعجة» مؤكداً «عدم وجود مدافئ تعمل على المازوت لعدم وجود مداخن، وأن أغلب الاعتماد على مدافئ الكهرباء التي لا تنفع غالباً لانقطاع التيار الكهربائي مراراً بالإضافة إلى شدة البرودة».
وبحسب المصدر ذاته، فإن «التدفئة حتى اليوم تعتمد على الجهد الذاتي للنازحين، فالجمعيات الخيرية ومنظمة الهلال الأحمر لا تقدم مدافئ أو مازوتاً لمراكز الإيواء».

سرقة الدفء

في المناطق المحاصرة، كان الشتاء مساهماً في زيادة الكارثة الإنسانية الحاصلة، فمع انعدام أغلب وسائل الحياة، أضحى تأمين الدفء هاجساً دفع البعض للسرقة في سبيله أو الموت برداً.
وبحسب أحد أهالي مخيم اليرموك المحاصر منذ أكثر من 150 يوماً، فإن «الأهالي بدأوا يجولون على الأنقاض ومخلفات القصف للحصول على القطع الخشبية لإشعالها داخل المنازل، بعد تحويل مدافئ المازوت إلى مدافئ حطبية لعدم توفر المادة الأولى».
وأضاف إن «بعض الأهالي اضطروا للدخول إلى المنازل الفارغة في حي التقدم وسرقة الأدوات والأثاث الخشبي منها» مشيراً إلى أنه «هناك مسلحون يقومون بعمليات سرقة منظمة لأبنية كاملة للحصول على الأثاث الخشبي وغيره من أدوات تستخدم للدفء، ما قد يهدد المصدر الأخير للسكان فصل الشتاء».
وفي المعضمية المحاصرة، وبحسب بعض الأهالي، فإن الوضع لم يكن بالكارثي كما مخيم اليرموك لـ«توفر أشجار الزيتون وغيرها، التي اضطر السكان إلى قطعها للنعم بالدفء، عدا عن الاحتياط بالحطب كعادة سابقة لدى بعض الأسر».
سوء الأحوال في المناطق التي يسيطر عليها المسلحون، دفع البعض إلى مناشدة المجتمع الدولي عبر صفحات التواصل الاجتماعي، لإرسال المحروقات إلى هذه المناطق المحاصرة، وذلك بعد توثيق وفاة طفلين بسبب العاصفة الشتوية التي ضربت المنطقة لنقصان وسائل التدفئة.

الزعتري يسقط على لاجئيه

وفي الشتات، أغرقت الأمطار قطع القماش البيضاء في مخيم الزعتري الذي  يقطنه نحو 160 ألف لاجئ سوري منذ حوالي أكثر من عامين على الحدود مع الأردن وسورية، فقد أدت الأمطار الغزيرة التي سقطت الأسبوع قبل الفائت إلى غرق عشرات الخيام في المخيم بمحافظة المفرق شمال الأردن.
وبحسب مصادر أردنية مسؤولة في المخيم فإنه «نتيجة سقوط الأمطار بغزارة، تدمرت عشرات الخيام داخل المخيم ما اضطر سكانها إلى اللجوء وطلب المساعدة من سكان المنازل التي تعرف بالكرفانات»، وأضافت المصادر بأن «عشرات الأطفال من سكان المخيم أصيبوا بنزلات البرد جراء انخفاض درجات الحرارة وتساقط الأمطار بغزارة على المخيم».
أمطار الأسبوع قبل الفائت، عادت بغزارة مع عواصف هوائية وبرودة شديدة وثلوج منذ أيام، اجتاحت مخيم الزعتري للاجئين السوريين، حيث أدت إلى تدفق المياه إلى كرفانات وخيم اللاجئين ما أدى إلى خروج المئات من أماكن سكنهم وخاصة الخيام، وأفاد بعض سكان المخيم لوسائل إعلامية أنهم «يجدون صعوبة في إزالة المياه المتسربة وفتح الممرات أمام الخيم».
وبحسب مصادر قائمة على المخيم، فإن 7 آلاف أسرة تسكن الخيم بحاجة لكرفانات لسد الحاجة المطلوبة في ظل الظروف الجوية الحالية رغم الوعود المقطوعة للاجئين بتأمينها منذ حوالي العام، في حين تقطن 18 ألف أسرة سورية في كرفانات وزعت عليها سواتر واقية لوضعها على الأسطح لمنع تسرب مياه الأمطار كإجراء احترازي.
وقال لاجئون «إن عاصفة ثلجية بدأت مساء اليوم الأربعاء الماضي أدت إلى سقوط خيام على قاطنيها، ونقل عدد من اللاجئين السوريين إلى المستشفيات نتيجة إصابتهم بأمراض سببها البرد الشديد، فاقمه انقطاع التيار الكهربائي لفترة من الوقت».

80 ألف لاجئ في لبنان بخطر

وفي لبنان، يقضي حوالي 80 ألف لاجئ سوري فصل الشتاء في الخيام، في حين يعاني آخرون من الأجواء الباردة في مبان غير مزودة بالتدفئة، وقد غطت العاصفة الشديدة التي تعرضت لها منطقة الشرق الأوسط الخميس الماضي، مخيمات السوريين في لبنان بالثلوج والجليد.
وأعربت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن قلقها حول اللاجئين السوريين الذين يعيشون في خيم موزعة في البقاعين الأوسط والشمالي، لا تقيهم من شدة البرد في ظروف صعبة وعجز مادي تعاني منه المفوضية العليا حالياً لتأمين مستلزمات اللاجئين كافة.
وبدوره قال عضو المجلس البلدي في عرسال اللبنانية، وفيق خلف إن «اللاجئين السوريين، وبالأخص الذين يسكنون الخيام، يعانون بشدة من الأجواء الباردة، والمياه تتسرب إلى الخيم كما وصلت كثافة الثلوج إلى 10 سم حتى الآن مع توقع سقوط المزيد في الفترة المقبلة».
أعربت المسؤولة الإعلامية في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين دانا سليمان, يوم الأربعاء، عن «قلقها من الأوضاع المأساوية التي يعاني منها حوالي 80 ألف نازح سوري بسبب موجة البرد التي يحملها المنخفض الجوي (الكسا) الذي يضرب لبنان حالياً ويستمر أربعة أيام».
وتضرب منطقة الشرق الأوسط عاصفة قطبية المنشأ تدعى «اليكسا» أدت إلى منخفض جوي حاد وأمطار غزيرة ورياح عواصف ثلجية.
وأوضحت مستشارة التعليم العالي في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في جنيف، ايتا شيشي، مؤخراً أنه «هناك أكثر من 2.1 مليون لاجئ سوري موزعين على عدة بلدان حوالي نصفهم من الأطفال، مشيرة إلى أن هناك حوالي 700 ألف تلميذ سوري بعمر الدراسة».