الهاون يمطر دمشق.. مدارس وطلاب ودور عبادة ومدنيون تحت القصف

الهاون يمطر دمشق.. مدارس وطلاب ودور عبادة ومدنيون تحت القصف

تعيش دمشق حالة من الخوف منذ حوالي العامين، بعد أن ضرب أول انفجار العاصمة عند إدارة المخابرات العامة بالقرب من منطقة كفرسوسة وفرع الأمن قرب دوّار الجمارك باليوم ذاته شهر كانون الأول 2011. استمر مسلسل التفجيرات الذي طال مناطق مختلفة من العاصمة حتى تم التشديد أمنياً أكثر على مداخلها ومخارجها، لتتم الإحاطة بها قدر الإمكان، وبعدها بدأ مسلسل جديد ليس بأقل خطورة في إزهاقه للأرواح المدنية، وهي قذائف الهاون التي يتم إطلاقها من المناطق المتوترة المتاخمة لدمشق إلى قلبها.

ولا توجد إحصائيات رسمية أو حتى غير رسمية لما حصدته قذائف الهاون من أرواح في سورية أو دمشق وحدها، إلا أنه وبحسب احصائيات تقريبية قامت بها صحيفة «قاسيون»، فقد استشهد في دمشق ومحيطها أكثر من 25 مواطناً منذ 15\11\2013 وحتى 20\11\2013، أي خلال خمسة أيام فقط، وبلغ عدد القذائف التي سقطت في هذه المناطق ضمن هذه الأيام حوالي 105 قذائف، دون وجود عدد دقيق أو تقريبي للجرحى.

مناطق تُستهدف يومياً

وتعتبر أكثر المناطق تضرراً خلال الأسبوعين الماضيين، هي باب توما وباب شرقي والقصاع والعباسيين والزبلطاني وجرمانا ودويلعة وشارع بغداد، بالإضافة إلى مناطق متفرقة أخرى لا تشهد سقوطاً يومياً أو شبه يومي، مثل ساحة الأمويين ومحيط الجامع الأموي ومنطقة التجارة والفيحاء ووسط المدينة بشكل عام.
وطالت بعض القذائف مدارس وحافلات لنقل الطلاب، كان منها قذيفة سقطت على مدرسة «يوحنا الدمشقي» في حي القصاع، وحافلة لنقل الطلاب في باب شرقي، ما أدى إلى استشهاد 5 أطفال وإصابة 27 آخرين في 11\11\2013، في حين سقطت قذيفة أخرى على حافلة تقل معلمي مدرسة «البيزانسون» في منطقة باب شرقي في 18\11\2013 أدت إلى استشهاد إحدى المعلمات وإصابة معلمة أخرى وإلحاق خسائر مادية، لتعود القذائف في اليوم التالي 19\11\2013، حيث سقطت 5 قذائف هاون على مدرسة «زيد بن الخطاب» في منطقة العباسيين ما أسفر عن إصابة 3 معلمات.
وكانت هناك حالات سابقة لاستهداف هذه القذائف المنشآت التدريسية، ومنها حادثة كافيتيريا كلية الهندسة المعمارية في جامعة دمشق نيسان الماضي، والتي راح ضحيتها حوالي 12 طالباً وأكثر من 29 جريحاً، في حين استشهد شخص آخر بمحيط كلية الآداب بدمشق إثر سقوط عدة قذائف هاون شباط الماضي.
ولم تستثن القذائف الأماكن الدينية، حيث أصابت قذيفتا هاون  في 11\11\ 2013 كنيسة «الصليب المقدس» في حي القصاع، في حين أصابت أخرى كنيسة «الكيرلس» في الحي نفسه، دون وقوع إصابات، لتتابع القاذئف سقوطها بتاريخ 19\11\2013 لتصيب أحد جدران «الجامع الأموي» وتلحق به الضرر.

مطالب بإغلاق المدارس

ورغم تكرار مشهد تساقط القذائف في دمشق ومحيطها، إلا أن ذلك لم يمنع استمرار الحياة بشكل شبه طبيعي بهذه المناطق كالذهاب للوظائف وافتتاح المحال التجارية، وذلك رغم توقف مدارس باب توما وباب شرقي لمدة أيام بعد حادثة استشهاد أطفال مدرسة «يوحنا الدمشقي»، وقبلها توقف مدارس جرمانا إثر حوادث مشابهة، إلى جانب وجود مطالب أهلية لإيقاف العملية التدريسية في ظل الظروف الراهنة.
ونتيجة الخوف الذي ينتاب سكان دمشق ومحيطها من تساقط قذائف الهاون بشكل يومي، بدأ نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي بإنشاء صفحات مختصة بالتوعية لتجنب الأضرار قدر الإمكان، إلى جانب توثيق عدد الشهداء والقذائف.
احذر ما يلي عند سقوط القذائف
وبحسب ما نشرته بعض هذه الصفحات، فإن ردة الفعل الأولية لدى الناس جميعاً بعد سماع صوت أول قذيفة تسقط بجانبهم، كانت الركض، وهذه ردة فعل طبيعية يحاول أن يبتعد فيها الإنسان عن منطقة الخطر، إلا أن المشكلة أنه قد يكون الركض باتجاه سقوط القذيفة التالية، وعلى هذا، يجب الانبطاح فوراً على الأرض بعد سماع صوت الصفير الذي يسبق ارتطام القذيفة، أو بعد سقوط أول قذيفة، مع تغطية الرقبة بالكفين المتشابكين، وبالتالي السواعد تغطي الوجه من الجنبين، والأقدام تفرد على طولها يمنة ويسرة ولا تسند بأصابع القدم تفادياً للشظايا.
وترسل قذيفة الهاون المنفجرة شظاياها على شكل قمع (مخروط) ذروته مكان سقوط القذيفة وينتشر للأعلى بشكل «قمع»، ما يعني أن سقوط القذيفة بالقرب من الشخص المنبطح، يكون ضرره قليلاً جداً كون جسده مقترباً من الأرض، وبحسب الناشطين، فإن كان الشخص على بعد 10 أمتار من القذيفة، وكان منخفضاً إلى تحت مستوى المتر، فلن يصيبه شيء من الشظايا، فالشظايا كلها ترتفع بعد تلك المسافة إلى فوق المتر عن مستوى الأرض.
وذكر الناشطون الذين نشروا هذه النصائح والمعلومات عبر صفحة تدعى «يوميات قذيفة هاون» مع توثيقهم للإصابات والأضرار والضحايا، وأكدوا بأن «بعض الذين أصيبوا بقذائف الهاون، كانوا يركضون أو مختبؤون خلف شجرة بعد سقوط أول قذيفة، وكان على الجميع الخروج من محلاتهم التي فوق الأرض لأن الواجهات كلها زجاج والانبطاح بالطرق فوراً، إذا لم يتسن لهم الاختباء في الأقبية على وجه السرعة».

الأخطاء «القاتلة»..

ومن الأخطاء «الكارثية» التي قد يتصرف بها المواطنون لحظة سقوط قذيفة الهاون، هي الهرع للهروب من أمكنة محصنة إلى الشارع بقصد الهرب من المنطقة المستهدفة بشكل كامل، ومن هذه الأمكنة المحصنة هي الأقبية أو المحال التجارية تحت الأبنية، والتي تعتبر مكاناً آمناً إن ابتعد المرء عن الواجهات الزجاجية وانتظر لحين توقف سقوط القذائف.
وهناك من يركب بسيارته المركونة تفادياً للقذائف، علماً إن السيارة ليست آمنة كونها محاطة بالزجاج، والأفضل هو البقاء في القبو أو حتى في الشارع.
وفي الفترة الأخيرة، لوحظ عدم تساقط قذائف الهاون بشكل فرادي، وغالباً ما يتم إلحاق القذيفة الأولى بعدة قذائف أخرى في ذات المكان أو محيطه، لذلك يجب على المواطنين اتخاذ تدابير الحيطة السابقة فور سقوط أول قذيفة، وإن انفجرت القذيفة بجانب الشخص وشعر بطنين بالأذن، فيجب تناول حبة فيتامينات متعددة خلال 4 ساعات فقط من الانفجار، وذلك لمنع حصول أذى طويل الأمد، ويجب الدوام على الفيتامينات لعدة أيام بعدها.

الهاون الأعمى دليل عجز

إن استخدام الجماعات المسلحة لهذه الأداة واستهداف المناطق المدنية الآمنة كما هو واقع الحال مع الهاون دليل عجزها عن تحقيق أهدافها في المواجهة في الميدان، الأمر الذي يؤكد حقيقة طالما أكدتها وقائع الأزمة السورية وهي استحالة الحسم بالقوة العسكرية، وإن الاستمرار بهذا الخيار معناه الوحيد استمرار نزف الدماء السورية، ناهيك عن الوظيفة السياسية لمثل هذه الهمجية ونحن على أعتاب مؤتمر جنيف، حيث تشير معظم التحليلات بأن الهدف منها زيادة التوتر والتشويش على إمكانية الحل السياسي.