في خضم الأحداث الساخنة.. «شلل الأطفال» يصل إلى سورية ويهدد ملايين الأطفال
في خضم الأحداث الميدانية الساخنة والنزاع المسلح على الساحة السورية، وظهور بوادر وملامح دولية ببدء حلحلة الأزمة سياسياً، انشغل مواطنون سوريون بمخاوف صحية طفت على السطح مؤخراً، قد تكون كارثية وتهدد ملايين الأطفال في سورية بسسب انتشار فايروس «شلل الأطفال» وبسرعة بعد اندثاره لأكثر من 14 عاماً.
مخاوف انتشار هذا الفايروس، شغلت الجهات الصحية العالمية والمحلية على حد سواء، فخطورته لا تقل عن القتل المتعمد وارتكاب المجازر بحق أطفال سورية ومواطنيها.
مؤخراً، أوضحت مديرة برنامج التلقيح الوطني في وزارة الصحة السورية، نضال أبو رشيد بأن «حالات الشلل الرخو الحاد التي ظهرت منذ بداية العام الحالي وحتى الآن بلغت 89 حالة، وكانت النسبة الأكبر في دير الزور 24 حالة ثم دمشق 11 حالة، وريفها 9 حالات، مبينة أنه تم إثبات 10 حالات إيجابية منها لفيروس شلل الأطفال».
إطلاق 6 حملات تلقيح
تأكيدات أبو رشيد حول وصول الفايروس إلى دمشق بعدد 11 حالة، كانت مختلفة عن تصريحات وزير الصحة سعد النايف في وقت سابق من الشهر الحالي، حيث أكد «أن هناك 10 حالات على الأقل تأكد إصابتها بشلل الأطفال».
وبحسب صحف محلية، فقد أعلن وزير الصحة سعد النايف أن الوزارة تخطط لإطلاق 6 حملات تلقيح وطنية متتالية ضد مرض شلل الأطفال بفاصل شهر واحد بين كل حملة وأخرى، لتشمل جميع الأطفال دون الخامسة بغض النظر عن لقاحاتهم السابقة، لافتاً إلى أن هذه الحملات ستكون متزامنة مع دول الجوار.
وستسعى الحملة بحسب النايف، إلى الوصول للأطفال في المناطق الساخنة، وتجري بالتعاون مع منظمتي اليونيسيف والصحة العالمية.
انخفاض التغطية باللقاحات
وبدوره، أكد الممثل المقيم لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف» بدمشق الدكتور يوسف عبد الجليل أنه نتيجة الأزمة الحالية تدنت نسب التغطية باللقاحات ومنها لقاح شلل الأطفال في عدة مناطق سورية الأمر الذي أدى لوجود مجموعة من الأطفال ليست لديهم المناعة الكافية ومع وجود الظروف البيئية الملائمة لانتقال الفيروس.
ومن جهتها، أعربت الممثل المقيم لمنظمة الصحة العالمية في سورية، اليزابيث هوف عن أسفها حيال انخفاض التغطية باللقاحات في سورية إلى 60% نتيجة الظروف الراهنة بعد أن كانت من أعلى نسب التغطية في العالم.
فايروس شلل الأطفال يعتبر من الأمراض الخطيرة التي تنتشر بسرعة كبيرة عن طريق التنفس والاحتكاك المباشر، وهذا ما أثار مخاوف الأوساط الصحية من احتمال انتقاله إلى الدول المجاورة.
أنواع وأعراض الفيروس..
وحول خطورة هذا المرض وكيفية انتقاله بين الأطفال وأساليب الوقاية منه، قال أطباء أطفال أن «الفيروس يهدد الأطفال ما بين 0 و5 سنوات، وهو أكثر من نوع، تحت السريري، و غير الشللي والشللي، ففي الأول تصيب الطفل أعراض طفيفة وهي حمى خفيفة وألم في الحلق واحمراره والشعور بالتعب والقيء، وفي حين يكون مسار المرض في النوع الثاني أقوى إلا أنه لا يؤدي إلى الشلل، وتشمل أعراضه أعراض النوع الأول نفسها لكن بحدة أكبر، إضافة إلى ألم في العنق والظهر والذراعين والقدمين، وتشنج العضلات والتهاب السحايا».
أما النوع الثالث، وهو الأخطر، فيصيب النخاع الشوكي أو الدماغ أو الاثنين معاً، وينتهي بحدوث شلل تام لدى المصاب، وتشمل أعراضه عدم القدرة على رد الفعل، وألم وتشنج حاد في العضلات، مع رخاوة في الأطراف ناجمة عن فقدان السيطرة عليها.
طريقة العدوى..
وتمر العدوى بفيروس شلل الأطفال بصورة خفية في أكثر من 90% من الذين يصابون بها وهي من النوع الأول، في حين تؤدي الإصابة بالمرض لما بين 4% و8% من حالات العدوى إلى اعتلال طفيف، فيما يصاب حوالي 1% من المصابين بالشلل التام في ما بين شخص واحد وعشرة أشخاص من كل 1000 شخص، وفي جميع الحالات، يقوم المصاب بنقل الفايروس لمن يحتك بهم.
وعن طريقة انتقال المرض، أضاف الأطباء أن «هذا الفيروس ينتقل عن طريق اللمس والاحتكاك المباشر، والتنفس من خلال الرذاذ المتطاير من الفم والأنف، بالإضافة إلى الطعام والشراب الملوثين، حيث ينتشر هذا المرض بسرعة بين الأطفال في الظروف غير الصحية».
وفيما يتعلق بقدرة الفيروس على قتل المصاب، أوضح الأطباء أن «الموت يحدث لبعض الحالات فقط، وهي من النوع الثالث التي قد تؤدي إلى قصورعمل الرئتين والالتهابات القلبية، في حين يشفى بعض الأطفال تماماً في حال لم يتمكن الفيروس من الوصول إلى الأعصاب، بينما يشفى بعض المصابين بالشلل لكن على المدى الطويل مع بقاء إعاقة خفيفة، والبعض الآخر يصابون بإعاقات شديدة ترافقهم مدى الحياة».
وبحسب الأطباء فإن «التطعيم ضد المرض ضمن المواعيد المحددة كاف للوقاية، في حين لا يوجد علاج فعّال بعد الإصابة به، ونظراً لأنه لا يوجد على الدوام حامل لفيروس شلل الأطفال بين الأفراد ذوي المناعة القوية، فإن فيروسات شلل الأطفال قد تتخزن في الطبيعة، إلا أنها لا يمكنها البقاء فيها لفترة زمنية طويلة، ولذلك، فإن منع انتقال فيروس شلل الأطفال بين البشر عن طريق التطعيم يعد خطوة حاسمة في القضاء عليه».
مصدر الفايروس السوري «باكستاني»!
وفي العودة إلى الموضوع السوري، فإن وزير الصحة السوري سعد النايف خلال عرضه لنتائج مشاركته في الدورة 60 للجنة إقليم شرق المتوسط بمنظمة الصحة العالمية، قال إن «الوزارة طلبت خلال اجتماعات الدورة من المنظمات الدولية رفع النداء حول مخاطر انتقال مجموعات بشرية بشكل غير شرعي إلى سورية من دول موبوءة بفيروس شلل الأطفال وأمراض معدية أخرى، ولاسيما أن الفحوص المبدئية لحالات شلل الأطفال في دير الزور عبر مخابر تابعة لمنظمة الصحة العالمية أظهرت أن الفيروس باكستاني المنشأ».
وتابع النايف أنه «تم الاتفاق خلال الدورة على إطلاق حملات تلقيح متماثلة ومتزامنة في سورية وثماني دول مجاورة لها خلال الأشهر الخمسة القادمة لضمان تلقيح الأطفال السوريين أينما وجدوا، إضافة إلى الاتفاق على تزويد سورية بكل اللقاحات الخاصة بشلل الأطفال ومستلزماتها الخاصة بحملات التلقيح القادمة».
وأضاف في تصريحات أخرى، إن «الوزارة أحدثت نقاطاً طبية على جميع المعابر الحدودية لتلقيح الأطفال الداخلين والخارجين من وإلى سورية ضد شلل الأطفال، وذلك بالتزامن مع حملات التلقيح التي أطلقتها داخل سورية نهاية الشهر الماضي».
مليون جرعة لقاح ستصل قريباً
وتابع إن «مليون جرعة لقاح شلل الأطفال ستصل قريباً إلى سورية، كدفعة أولى من اللقاحات المعتمدة من منظمة الصحة العالمية واليونيسيف».
وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن أكثر من 100 ألف طفل أعمارهم دون الـ 5 سنوات هم عرضة للإصابة بشلل الأطفال في دير الزور، مشيرةً إلى أن «نسبة التغطية التلقيحية بسورية انخفضت من 85 - 90% إلى نحو 65 - 70%، وأن هناك الكثير من المناطق التي يصعب على وزارة الصحة الوصول إليها بسبب الأحداث التي تشهدها البلاد».
وأعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، مؤخراً أن نحو خمسمائة ألف طفل داخل سورية لم يتلقوا اللقاح ضد شلل الأطفال خلال العامين الماضيين، مشيرة إلى أنها انضمت إلى منظمة الصحة العالمية لتنفيذ حملة لتطعيم ملايين الأطفال في سورية والمنطقة ضد شلل الأطفال والحصبة والنكاف والحصبة الألمانية، لافتة إلى أنه «قبل الصراع كانت حملات التحصين تغطي نحو 95% من الأطفال السوريين».