السويداء.. قصيدة على باب السلطان
الخطط والقوانين والنوايا الحسنة والوعود والخطب الرنّانة للمسؤولين في وادٍ، والواقع في وادٍ آخر في محافظة السويداء. هذه المحافظة ذات التاريخ الوطني المعادي للغرب الاستعماري والصهيونية والمشاريع اللاوطنية، وهي التي تنسب إليها اليوم صفة «التأييد»،
ويخال العديد ممن لا يعيشون في المحافظة أنها مملوءة بأنهار العسل واللبن وأهلها قبروا الفقر والتهميش، ومعدلات التنمية والرفاهية تحتل مراتب عالمية، والمسؤولين فيها إن قالوا فعلوا وهم في دفاع مستميت عن الشعب الفقير، ولم يتلوثوا بالفساد والمكاسب..
هذا الحلم الجميل أبعد ما يكون عن محافظة السويداء وأهالي السويداء المحاصرين من كل أنواع القتلة وقنّاصة كل أشكال الحياة. فهنا سطّر تجّار الحروب والأزمات أفظع ملاحم النهب ومص دم الفقراء، وهنا كل شيء موجود وممنوع عن الناس، وهنا تزرع الخضروات والفواكه لتذهب إلى دمشق ثم تعود مضاعفة أسعارها 3 و4 مرّات.
وفي السويداء تقوى القبضة الأمنية على كل شيء وكل إنسان إلا التجّار الكبّار، ويسري القانون سليماً معافى على البقاليّات وسائقي التكاسي وعمّال سوق الخضار ويقف عاجزاً أمام تاجر سلاح أو مهرّب معروف.
ويُفقد البنزين وتقف الطوابير أيّام بكاملها على الكازيات، ويرى الناس صهاريج البنزين تأتي وتفرّغ حمولتها ويبقى البنزين مفقوداً. ويخبرنا بعض من موظفي الدولة أن مخصصات السويداء تباع في محافظة درعا بأسعار مضاعفة عبر تجّار آخرين موكلين بمص دم الأهالي هناك.
تُفتح المقاهي والمطاعم ومحلات السهر، تزداد أعداد مرتاديها وتزداد أعداد الفقراء طرداً مع اشتداد النهب والسرقة، الحقيقة واضحة، لابد من فقراء جدد لينعم الآخرون بالرخاء.
وفي السويداء يكّد العامل يومه في أقسى الأعمال ليشتري قوته، علبة جبن واحدة وفق «تسعيرة نظامية» يحميها القانون، ولا مبالغة هنا، فالتسعيرة التي أقرتها غرفة التجارة أثارت استهجان أغلبية التجّار الصغار، أعلن أحدهم أنه لن يسرق الناس «علانية وباسم القانون».
فليسمع السيد المحافظ وجميع المسؤولين الموكلين بحماية لقمة الشعب، وليسمع كل من تجاهل عشرات المقالات في جريدة قاسيون وفي غيرها والتي نقلت مآسي الوضع المعاشي والخدمي والعمّالي، ولم يكن هناك من استجابة، ليسمعوا صوت الفقراء الذي جسدته قصيدة شعبية يرددها أهالي السويداء ويعلو صوتهم كل يوم:
«..يلّي رخّص سعر الدم مثل اللّي غلّى الأسعار
هذي مجموعة منهزمة ولدت من رحم الأزمة
دوس رقابهم بالجزمة ولا تقبل منهم أعذار
يا تجّار الأزمات حاجة تعبّوا بالخزنات
صحّوا الضمير اللي مات هذي نصيحة بإنذار...»