من الذاكرة : ضريبة الالتزام
مع إطلالة الذكرى التاسعة والثمانين لولادة الحزب الشيوعي السوري في الثامن والعشرين من تشرين الأول عام 1924 تنتعش في ذاكرة كل شيوعي سوري صورة وأصداء أحداث شتى من فيض أحداث مسيرة حزبنا وما اجترحه الرفاق البواسل من عطاءات بالغالي والنفيس على ساحة الوطن منذ تأسيس الحزب وحتى يومنا الراهن، لنستعيد الحديث عن رفاق أفذاد مهروا سجل الحزب بجريء تضحياتهم وثمين جهودهم وكفاحهم
وعندما نتحدث عنهم فهذا تحصيل حاصل، لكننا عندما نستمد من موافقهم وتجاربهم ونضالهم العزيمة والحافز لأن نجسد ما يجب أن نؤديه من عمل ودور، فهذا ما يشرفنا، ويجعل لحياتنا معنى «سداه ولحمته خير شعبنا ووطننا» فالمناضلون ليسوا أرقاماً في تعداد أو إحصاء، وإنما هم خلايا حية ناشطة في نسيج جحافل الكادحين بسواعدهم وأدمغتهم، ومن هؤلاء المناضلين ابن الساحل السوري الشيوعي القديم الأستاذ لبيب عرنوق الذي رحل بصمت وسكينة، لكنه حرك في وجداننا وفي قلوب الذين عرفوه شعور الحزن ودفقة الوفاء «الذي ندر في هذه الأيام».
انتسب الرفيق لبيب وهو ابن عائلة غنية إلى صفوف حزب الخبز والسلم والحرية أيام الحكم الديكتاتوري العسكري في أوائل خمسينيات القرن العشرين، وكان الدافع لانتسابه قناعته الفكرية بحق كل إنسان في أن يعيش حراً كريماً عزيزاً، وقد أثبت جدارته في أصعب الأوقات، ودفع ضريبة التزامه وانحيازه إلى الفقراء والمستضعفين، وتعرض للاعتقال والتعذيب وأمضى ثلاث سنوات في سجن المزة العسكري في عهد الوحدة وحتى عهد الانفصال، كان خلالها مثال الإنسان النقي الخلوق المحترم، والمناضل الجسور، وبعد السجن درس الاقتصاد، وأدى مهام العمل التنظيمي وحضر عدة مؤتمرات وتولى مهمة سكرتير اللجنة المنطقية في طرطوس، ومع بدء الأزمة وظهور الانقسامات، آثر الابتعاد عن الصراعات والمماحكات، لكنه بقي وحتى الرمق الأخير وفياً للمبدأ والفكر العلمي الثوري، على الرغم مما ناله من إهمال وتجاهل. فإليه ومن القلب تحية احترام ووفاء فهو واحد ممن صدق فيهم قول الشاعر:
«لم يمت فينا الصمود... وانطلقنا من جديد..
نزرع الأفراح في كل العيون... نطلع الفجر السعيد..
جنة من ياسمين... من رفاق طيبين..
يعرفون الحب والسجن الرهيب.. يملكون اللطف والعزم الحديد»