اضطهاد وفقر و«عنصرية» النازحون السوريون.. سير معاكس!

اضطهاد وفقر و«عنصرية» النازحون السوريون.. سير معاكس!

أجبرت أعمال العنف، والحرب الدائرة في سورية،  الملايين إلى النزوح من أماكن سكنهم في المناطق الساخنة أو غير الساخنة، إلى الداخل والخارج السوري، هرباً من تردي الأوضاع الأمنية والمعيشية والاقتصادية.

وللاطلاع على واقع السوريين المهجرين تواصلت «صحيفة قاسيون» مع بعض السوريين في الخارج، للوقوف على أحوال السوريين هناك، وحسب الرواية فإن آلاف الأسر النازحة مازالت تعاني الوضع المعيشي السيء، بل فاقم النزوح معاناتهم في بعض البلدان ما أدى إلى«عودة جزء منهم إلى بلادهم مؤخراً».

وقال أحد الصحفيين السوريين المقيمين حالياً في مصر «أ.م» في حديثه لـ« قاسيون» أن « مصر شهدت مؤخراً حالة نزوح كبيرة للعائلات السورية بدأت للعودة إلى بلادهم أو إلى بلدان أخرى، وذلك بعد حملة قامت بها  وزارة الداخلية المصرية للقبض على السوريين الذين انتهت اقاماتهم، حيث تم اعتقال العشرات منهم حينها في أكثر المناطق تجمعاً لهم وهي منطقة 6 اكتوبر والرحاب قرب العاصمة القاهرة».
نازحون متهمون بالإرهاب
وأضاف أن «العديد من العائلات هذه، اضطرت لدفع رشاوى لتأمين حجز طيران للعودة إلى سورية بأسرع وقت، مشيراً إلى أن عدة تهم وجهت بحق السوريين بدأت بانتهاء إقامتهم وصولاً إلى الاتهام بالارهاب على خلفية الزعم بالمشاركة بأعمال العنف التي ظهرت مؤخراً على الساحة المصرية» 
فقر وتسول واعتداء
أما عن الأوضاع المعيشية لبعض الأسر السورية في مصر، tقال الصحفي إن «العديد من الاسر السورية في القاهرة تعاني الفقر الشديد وغلاء الأسعار الامر الذي دفع بعضهم إلى التسول على أبواب الجوامع وعلى أطراف الشوارع».
«م.س» صحفي سوري  آخر في مصر، أكد بان تسول السوريين في مصر ليس بظاهرة عامة، لكنها موجودة، وقال إن «بعض الأسر متوسطة الحال وخاصة من دمرت منازلهم في سورية، بدأوا يعانون صعوبة الحياة حالياً، وهناك بعض الأسر التي تعاني من الفقر الشديد، في حين تحاول بعض الجمعيات الخيرية السورية والتي أسست في مصر، مساعدتهم»
ويتابع م.س« إن أغلب السوريين الآن في وضع صعب نوعاً ما وذلك لقلة العمل وصرفهم مدخراتهم التي اصطحبوها معهم، وهم في غالبيتهم من العائلات متوسطة الحال «مشيراً إلى أن » ما يسمون بالبطلجية قاموا بالإعتداء على السوريين ومحلاتهم وحتى بعض المنازل، إلا أن هؤلاء البلطجية هم مصدر قلق للسوري والمصري في آن واحد».
سوء الوضع الاقتصادي لبعض الاسر السورية في مصر، تفاقم بعد ارتفاع أسعار الآجارات هناك، وبحسب «م.س» فقد «وصلت نسبة الارتفاع بالاجارات الى اكثر من الضعف، حيث  كانت بمعدل 1000 أو 1500 جنيه اي ما يعادل نحو 30 ألف ليرة سورية شهرياً، وبعد ازدياد أعداد السوريين في مصر ازدادت لتتعدى الـ2000 و3000 جنيه أي بما يعادل حوالي 70 الف ليرة سورية»
الضغوط وتفضيل العودة
وأردف «يتعرض السوريون لعدة مضايقات مؤخراً،عدا عن فرض التأشيرات  على القادمين من سورية للحد من قدومهم، بالإضافة حظر التجول الذي فرض مؤخراً من التاسعة ليلاً حتى الصباح، الذي زاد معاناة السوريين كثيراً، حيث حرم الكثير من مزاولة أعمالهم التي كانوا يزاولونها حتى ساعات متأخرة لتأمين مايسد رمقهم».
وأكد الصحفي السوري أن «كثير من السوريين عادوا الى  سورية بسبب الحالة المادية المتردية لهم، وذلك رغم الخطورة ، إلا أنهم فضلوا العودة على الحياة الصعبة في مصر».
وبحسب مكتب «شؤون اللاجئين السوريين» في مصر فإن عدد السوريين المسجلين كلاجئين هو بحدود 200 ألف مواطن، بينما يصل العدد الكلي لحوالي 700 ألف سوري بحسب مصادر متعددة اطلع عليها الصحفي «م.س».
وبحسب موقع«وزارة الخارجية المصرية» الالكتروني، فقد طُلب مؤخراً من السوريين الذين يقيمون في مصر أو يرغبون في الإقامة فيها ضمن الإطار القانوني للدولة المصرية، أن يراعوا الموقف الأمني الذي تمر به البلاد حالياً، وأن يتفهموا طبيعة هذه الإجراءات التي لا تنتقص من العلاقة التاريخية بين الشعبين المصري والسوري الشقيقين، أو ما تقدمه مصر من تسهيلات للأشقاء السوريين المتواجدين في مصر.
لبنان وعنصرية العمل
و في لبنان، أعطت الحكومة مهلة انقضت منتصف الشهر الحالي، للسوريين أصحاب المحلات لتسوية أوضاعهم قبل إغلاق محالهم التجارية غير المرخصة، إضافة إلى دفع الضرائب، ولم تحدد معالم ماستقوم به حكومة تسيير الأعمال بعد انقضاء هذه المدة بعد، إلا أن السوريين مازالوا يعانون الخوف من فقدانهم لمصادر رزقهم التي أنفقوا عليها كل مدخراتهم لتأمين معيشتهم بأضيق السبل.
ليست المحال المخالفة هَمّ السوريين الوحيد الذي يهدد استمرار حياتهم في لبنان يومياً، وعلى حد تعبير أحد السوريين هناك والذي فضل عدم الكشف عن اسمه، فإن بعض العمال السوريين في لبنان يتعرضون للمعاملة السيئة والتمييز العنصري في الجنسية بين عامل سوري وعامل لبناني، والسوريون مهددون بالطرد من عملهم بأي لحظة كون بعض اللبنانيين ينظرون إليهم بأنهم يزاحمونهم على فرص عملهم، عدا عن ارتفاع الأسعار في لبنان أكثر من أسعار سوريا في أزمتها الاقتصادية، مادفع البعض إلى السفر باتجاه سورية أسبوعياً والتبضع، إلا أن الحكومة السورية منعت إخراج الأطعمة بكل أشكالها باتجاه أي دولة بعد انتشار هذه الظاهرة، واعتبرت من يخرج المواد الغذائية من سورياةبأنه مهرّب وتنطبق عليه القوانين النافذة.
«الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين» في لبنان، وصف ما يتعرض له العمال السوريون هناك  بأنه « استغلال مهين ونوع من  العنصرية المقيتة، ما قد يذهب بالوضع إلى أبعد من المنافسة على فرص عمل، وقد تكون النتائج غير محمودة ما لم يتم تداركها».
رواد مقاهي وأطفال شوارع
وقال الصحفي السوري سليم ريشة المقيم حالياً في لبنان إن «شارع الحمرا في بيروت المشهد الأكثر اختزالاً لمأساة السوريين الذين نزحوا هاربين من بيوتهم بسبب الحرب، حيث يكاد لا تخلو مقهى من سوريين يتعاطون الشأن السياسي، وعلى رأسهم أبناء الوسط الفني. في حين لا يخلو شارع من الأطفال أشباه الحفاة، المرتدين لملابس رثة، ووجوههم تنضح بالبؤس، الذين يتسولون بيع الورود الدمشقية للعابرين».
وأضاف إن «المباني قيد الإنشاء، صارت ملاذاً لأسر بأكملها، يتفيؤون بجدرانها غير المكتملة، ويعمل رجل الأسرة بـ «الفاعل» بأجرة يومية، كي يطعم أطفاله الذين يفترشون«النحاتة» و«الرمل»، مرتعباً على مدار الساعة من فكرة أن يأتي المهندس ويطرده بغير سبب، الأمر الذي حصل مراراً بحق عمال سوريين»
«فيما تبقى أوضاع السوريين في لبنان هي الأفضل  مقارنة مع البلدان المجاورة، وذلك من حيث التعاطي الحكومي معهم، رغم الإهانات التي يتعرض السوريون لها على الحدود من الأمن العام ورغم التحقيقات المكثفة التي تجريها بعض الأجهزة الأمنية مع السوريين الذين يتم الاشتباه بهم» بحسب سليم.
 وطلبت السلطات اللبنانية الحصول من المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال إغاثة النازحين، على معلومات عن السوريين الذين لا تنطبق عليهم صفة لاجئ، على أن يتم لاحقاً بت أوضاعهم، سواء لناحية السماح لهم بالبقاء في لبنان أو ترحيلهم.
الزعتري.. معاناة أكثر من 100 ألف لاجئ في الصحراء
وفي الأردن، وخاصة في مخيم الزعتري، وبحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» فإنه إقامة نحو 130 ألف لاجئ سوري هناك في منطقة صحراوية معزولة مساحتها 3 أميال فقط، ووفقاً للتقديرات، فإن نصف عدد اللاجئين في المخيم دون الثامنة عشرة، وقد شهد هذا المخيم عدة مشاكل وخاصة فترة الشتاء، كانتشار الأوبئة وتأمين الدفء اللازم، عدا عن صعوبة تأمين الغذاء والمياه للاجئين، وقد أفادت عدة تقارير صحفية عن انتشار ظواهر التحرش الجنسي والاغتصاب، إضافة إلى عرض الفتيات السوريات للزواج من  جنسيات مختلفة بمبالغ زهيدة.
حركة نزوح جديدة
مازال السوريون حتى اليوم، ينزحون من أماكن سكنهم لأسباب عدة، آخرها التهديدات الأمريكية بضربة عسكرية لسوريا، مادفع العديد من الأسر للتوجه نحو الدول المجاورة في حركة نزوح جديدة، أو داخلياً نحو محافظات« أكثر أماناً»، في حين مازال النازحون السوريون في بعض مراكز الإيواء داخل سورية، يعانون قلة المعونات أو سرقتها من بعض المستغلين، إضافة إلى افتقار أمور الرعاية الصحية والنفسية في بعض المراكز.