عالمكشوووف

عالمكشوووف

جلس «المركزي» وعدد من الصرّافين إلى مائدة الإفطار، ورُفِعَت الكؤوس نخب الأرباح الأسطورية التي حققوها مؤخراً. إلا أنهم لم يتمكّنوا من دقّ كؤوسهم ببعضها كما هو العرف السائد، بسبب اتساع الطاولة وابتعادهم عن بعضهم البعض.

فقام المركزي بتجرّع رشفة من كأسه وألقى في فمه ملعقة كافيار وازدرد حبيباته قائلاً: كما تعلمون رفاق، فقد زدنا من تدخّلاتنا بعملية الضخّ من مرتين إلى ثلاث أسبوعياً. وعوضاً عن بيعكم مليون دولار يومياً، قمنا برفعه إلى عشرات الملايين، حتى يبيّن فيكم يا أوباش!
الصراف (1) وقد اتسعت بسمته: مشكور رفيق، بس كمان حصتك زادت (غامزاً بإحدى عينيه) واللا نسيت حالك سيدنا؟.
المركزي: ولك ما اختلفنا يا بغل، بس أنتو بتعرفو أنو في حصص لمعلّميني، واللا انشالله مفكّرين عم آخد الحصة لحالي!؟ وبعدين ملاحظين حدة الهجوم اللي استعرت مؤخراً ضدي، ما أنا بوجه المدفع حالياً! المهم، بدنا شوية سمعة حسنة يا أوغاد». الصراف (2) بعد أن قذف إلى فمه حفنة لوز وبدأ بجرشها: «طبعاً رفيق ملاحظين، لذلك قمنا بتخفيض سعر الصرف من (340) إلى (250) حتى يقتنع الناس بأنو سياسة الضخّ المعتمدة عم تلعب دور هام بتخفيض سعر الصرف، ولو إلى حين.
المركزي (مبتسماً بخبث): قلتلّي «ولو إلى حين» يا ملاعين ماه، العمى فعيونكم إذا في أنجس منكن، ولك شو أنتو مابتشبعو؟
الصراف (3) سحب نفساً من نارجيلته وأجاب وهو يفرج عن غمامة الدخان من فيه: طيب رفيق، هاي فرصتنا اللي كنا عم ننتظرها من سنوات، وهلّق إجت بوقتها، ومع ذلك..
المركزي (مقاطعاً باحتقار): أي بلا أكل «خـ..» إنت ويّاه، هاتو لشوف احكولي، شو جمعتو أرباح من بداية الأزمة حتى الآن؟
الصراف (4) أجاب وهو يقطع شريحة من لحم الطاووس المشوي: رفيق ليش عم تغشّم حالك بلا زغرة! حضرتك بتعرف البير وغطاه، شو نسيت إنك أنت اللي بتحدّد سعر المبيع والشراء، وبالتالي الأرباح!
المركزي (كازّاً على أسنانه): ولك يا حمار عم ندردش، يلعنلك هالقرعة متل قرعة الجحش..
الصراف (1) معقّباً على ما قاله رفيقه بعد أن رشف من كأسه متلمظاً: مولانا إذا كل (1000) دولار عم يربح معنا بين (40 إلى 50) ألف ليرة. فإذا باع الواحد منا باليوم مثلاً مليون دولار فالأرباح بتكون (50) مليون ليرة، الحسبة واضحة ما بدها ذكا.
المركزي يمدّ ساقيه على كرسي جانبي معلقاً على الصراف (1): ولك الله يلعن الداية اللي سحبت راسك يا «شـر..» ملتفتاً نحو الجميع: وأنتو يا «عر..ات» شو صار معكم بجمع الهويات يللي عم تنباع عليها الدولارات، وشو عم تعطو أصحابها، وصلتني تقارير وبدّي أتأكّد منها.
الصراف (2) يشعل سيجاراً ضخماً وقد احمرّت عيناه من تأثير المشروب: أنا شخصياً جمعت هويات أقربائي وأصدقائي ومعارفي، وعم بعطي بين (10 إلى 15) ألف ليرة عالراس.
الصراف (3) وقد تناول ملعقة من ألسنة العصافير المحموسة: بصراحة رفاق أنا عم بعطي 5 آلاف ليرة عالراس، ليش الكذب!
الصراف (4) تجشّأ معتذراً: هلق إذا حكيت بدّو (المركزي) يشكّك بكلامي كالعادة.. المركزي (مغتاظاً): ولك يلعن اللي ربط الكرّ ودشّرك يا حقير.. طبعاً بدّي شكّك، لأنك ندل وما بتحكي الحقيقة إلا إذا واجهناك فيها.
الصراف (4) مقهقهاً: «....» أخت الكاذب إذا رح احكي إلا اللي صار معي، أنا بصراحة عم ادفع ألف ليرة بس. لأنو عم ابعت عملائي عالمناطق الساخنة لجمع الهويات، وهونيك ناس كحتانين عايفين سماهون من الفقر، بيقبلوا بأيّ شي.
المركزي «وقد اكتسى وجهه سيماء جدّية جنرال في غرفة العمليات الحربية»: على كلٍّ رفاق في ريحة أنّو مؤتمر جنيف-2 قرّب، وبالتالي اقتربنا من التسوية «انشالله عمرا مابتجي» وهاد يمكن يؤدي إلى انخفاض أرباحنا إذا ما قلنا توقفها تماماً، لذلك أنصحكم بغسيل أموالكم بأقرب وقت، اللهم إني قد بلّغت في هذا الشهر الفضيل، فهمتو عليّي ولا خنازير واللا بْعيد؟ (وفقع ضحكة مجلجلة).
الصراف (1) بصوتٍ أبحّ وقد رفع كأسه: ولك تسلملي هالضحكة. نحنا كلنا خرطوش فردك مولانا.

المركزي (بجدّية تامة): المهم رفاق برجع وبذكّركن، في قوى سياسية حاقدة عم تطالب بإلغاء شركات الصرافة ومنع التعامل بالدولار، وبحصر استيراد المواد الأساسية بإيد الدولة، ومو بس هيك، وبمحاكمتي كمان، هاد كله من ورا جماعة المعارضة بالحكومة، كانت باطلة ومحوّلة الساعة اللي جبناهن فيها عالحكومة، فعلاً كما يقال «جبنا الدبّ على كرمنا»، يعني بالمشرمحي بدهن يقطعولنا رزقنا إذا قدرو، طبعاً رفاق مرح نكتفي بقضم أظافرنا، ومتل ماملاحظين الإعلام ماعم يقصّر أبداً بالمعارضة اللعينة، وهلّق، يالله كل واحد ينقلع على بيتو، خلص الإفطار. فعلاً ما بتنعطو وشّ، ولك يالله فزّوا على حيلكم، وهنا نهض المركزي حاملاً كأسه إيذاناً بانتهاء العزيمة، وقام معه الصرّافون يحملون كؤوسهم، ومالوا بأجسادهم مقتربين من بعضهم، وهذه المرة قرعوا كؤوسهم بصوتٍ مسموع، وعلت ضحكاتهم الماجنة حتى وصلت إلى مسامع الصائمين غصباً عنهم في سورية الأبية. وما أكثرهم هذه الأيام.